تراجع مبيعات المنازل في أميركا لهذا السبب

أدى الارتفاع الصاروخي في قيمة المساكن ونقص المعروض إلى تعزيز موقف أصحاب المنازل في السوق الأميركية على مدى سنوات، لكن هذا الوضع تغيّر الآن. فقد أصبح إبرام صفقات عقارية مربحة أكثر صعوبة على البائعين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، حيث تضغط ندرة المشترين القادرين على الشراء، وعدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد والوظائف وأسعار الفائدة على الرهون العقارية، على البائعين لتقديم تنازلات في السعر على طاولة المفاوضات.

في بعض الأسواق، وخاصة في الجنوب والغرب، يميل مالكو المنازل المتحمسون للبيع إلى تقديم عروض أفضل للمشترين. وقد يشمل ذلك سعراً أقل، أو دفعة مقدمة لخفض فائدة التمويل العقاري، أو تحمّل تكاليف إتمام الصفقة والإصلاحات أو التحسينات التي قد تظهر بعد معاينة المنزل. ومن أسباب تراجع المبيعات تردد المشترين المحتملين في قبول ما يعتبرونه أسعاراً غير معقولة، في وقت توفر الإنشاءات الجديدة خيارات أوسع للمشترين وتضغط على البائعين لجعل منازلهم أكثر جاذبية.

ونتيجة لذلك، ورغم أن متوسط سعر بيع المنازل على المستوى الوطني ارتفع بشكل طفيف في تموز/تموز الماضي، شهدت بعض المناطق الحضرية انخفاضاً، مما يشير إلى انعكاس في ديناميكية القوة بين المشترين والبائعين. وأصبحت حروب المزايدة التي أدت إلى ارتفاع هائل في أسعار المنازل بنسبة تقارب 50% على المستوى الوطني في وقت سابق من هذا العقد نادرة الحدوث.

وعلى الرغم من هذا التوجه، لا تزال سوق الإسكان تعاني من ركود ملحوظ، إذ انخفضت مبيعات المنازل القائمة في الولايات المتحدة بنحو 1.3% مقارنة بمستواها خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي، مسجلةً أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من 30 عاماً. ووفقاً لموقع “ريالتور دوت كوم”، ارتفع متوسط سعر المساكن المعروضة للبيع على المستوى الوطني في تموز/تموز بشكل طفيف مقارنةً بالعام السابق ليصل إلى 439,450 دولاراً للمنزل في المتوسط.

وبحسب الموقع ذاته، فإن أقصى مبلغ يمكن لمشتري منزل من متوسطي الدخل إنفاقه لا يتجاوز 298 ألف دولار. ويستند هذا التحليل إلى افتراض أن المشتري سيدفع دفعة أولى بنسبة 20% من قيمة المنزل، مع قرض عقاري لمدة 30 عاماً بفائدة ثابتة قدرها 6.74%. وبناءً على هذه المعايير، فإن 7 من كل 10 مشترين محتملين غير قادرين على تحمّل تكلفة شراء منزل حالياً.

ومنذ عام 2022، حين بدأت أسعار فائدة التمويل العقاري ترتفع من مستوياتها التاريخية المنخفضة، تشهد سوق الإسكان الأميركية حالة من الركود. فقد انخفض عدد المنازل المتاحة للبيع، فيما واصلت الأسعار ارتفاعها. وعلى المستوى الوطني، يُعرض المزيد من المنازل للبيع، لكنها تبقى في السوق لفترات أطول بسبب عزوف المشترين أو عدم قدرتهم على إتمام الصفقة. كما ارتفعت القوائم النشطة للمنازل المعروضة – أي جميع المنازل المعروضة في السوق باستثناء تلك قيد الإغلاق – في تموز/تموز للشهر الحادي والعشرين على التوالي، بزيادة بلغت نحو 25% عن العام السابق، وفقاً لموقع “ريالتور دوت كوم”.

أسرع موجات ارتفاع أسعار المنازل في الولايات المتحدة

شهدت سوق الإسكان الأميركية في العقد الأخير واحدة من أسرع موجات ارتفاع الأسعار في تاريخها الحديث. فقد أسهمت أسعار الفائدة المنخفضة بعد الأزمة المالية العالمية، والتحفيزات الحكومية خلال جائحة كورونا، ونقص المعروض من المساكن، في إشعال “فقاعة صغيرة” رفعت أسعار المنازل بنسبة قاربت 50% خلال فترة قصيرة. هذا الارتفاع جعل امتلاك منزل حلماً بعيد المنال لشرائح واسعة من الطبقة الوسطى.

ومع بدء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة لكبح التضخم منذ عام 2022، انعكس ذلك مباشرة على سوق التمويل العقاري. إذ ارتفعت تكلفة الاقتراض على المشترين الجدد، ما خفّض قدرتهم الشرائية بشكل كبير. في المقابل، امتنع كثير من مالكي المنازل الذين حصلوا سابقاً على قروض منخفضة الفائدة عن بيع منازلهم، مفضلين الاحتفاظ بعقاراتهم بدلاً من شراء أخرى بفوائد أعلى. هذه التغيرات خلقت حالة من “الجمود” في السوق: عرض محدود، أسعار مرتفعة، ومشترون غير قادرين على الدخول.

تكشف التطورات الراهنة في سوق الإسكان الأميركية عن تحوّل مهم في ميزان القوى بين البائعين والمشترين. فبعد سنوات من الهيمنة المطلقة للبائعين بدعم من ارتفاع الأسعار ونقص المعروض، باتت السوق أكثر صعوبة وأقل ديناميكية، إذ لم تعد الأسعار وحدها كافية لإتمام الصفقات. ومع استمرار أسعار الفائدة في مستويات مرتفعة، وتزايد عدم اليقين الاقتصادي، يُتوقع أن يبقى الركود مسيطراً على القطاع في المدى المنظور. ما يعني أن سوق الإسكان، باعتبارها مرآة للاقتصاد الأميركي، قد تعكس تحديات أعمق مرتبطة بقدرة الطبقة الوسطى على تحقيق الحلم التقليدي بامتلاك منزل.

 (أسوشييتد برس، العربي الجديد)