شهدت مدينة حلب، اليوم الأحد، وقفة احتجاجية نظمها المئات من معلمي ريف حلب الشمالي أمام مبنى مديرية التربية، تحت عنوان “طوفان الكرامة التعليمية”، للمطالبة بإنصافهم وإنهاء معاناتهم المستمرة منذ سنوات. وشارك في الوقفة معلمون من عدة مناطق بريف حلب الشمالي، منها قباسين، بزاغة، الغندورة، جرابلس، الباب، الراعي، اخترين، مارع، صوران، إعزاز، عفرين، وتل رفعت.
ورفع المعلمون المشاركون لافتات حملت عبارات تعبر عن استيائهم، من بينها “من صبر على القصف والتهجير لن يهزم بالتهميش”، “الراتب حق لمعلمي الشمال”، “نطالب بالإنصاف لا بالشفقة”، “نحن مجتمعات ولسنا مجموعات”، “معلمو الثورة خط الدفاع الأول عن العقول”، “تعبنا في الحرب أنقصى في السلم؟”، و”معلمو الشمال هم المؤثرون”.
وقال عمر ليلى، نقيب معلمي حلب ومشرف عام الاحتجاجات، لـ”العربي الجديد”، إن أهمية هذه المطالب تتضاعف مع اقتراب العام الدراسي الجديد المقرر انطلاقه في 14 أيلول/ أيلول الجاري، مشيراً إلى أن أكثر من 18 ألف معلم في ريف حلب الشمالي “ما زالوا يجهلون مصيرهم الوظيفي، ولم يتم تثبيت غالبيتهم أو تحديد أماكن عملهم، فضلاً عن حرمان البعض من الرواتب أو حقوقهم الأساسية”، مضيفاً أن “باب النقل لم يفتح حتى اللحظة، مع العلم أن المعلمين بحاجة لتلبية طلبات نقلهم إلى مناطقهم الأصلية أو مناطق أخرى، وكذلك لم يدمج هؤلاء المعلمون مع مديرية تربية حلب، وهو ما يهدد بعرقلة العملية التعليمية برمتها نتيجة المماطلة في تنفيذ القرارات المطلوبة”.
وفي حديث مع بعض المشاركين في الوقفة، أوضح المدرس أحمد خليل، من مدينة الباب، لـ”العربي الجديد”، أن المعلمين في ريف حلب “لم يتخلوا يوماً عن مدارسهم رغم ما شهدته المنطقة من قصف وحصار خلال السنوات الماضية، لكنهم اليوم يجدون أنفسهم مهددين بخسارة مصدر رزقهم الوحيد”. وبين لـ”العربي الجديد” أن مطلبهم “لا يتجاوز حدود التثبيت وحق النقل وضمان الرواتب أسوة بزملائهم الآخرين”، وأن “استمرار تجاهل هذه المطالب يشعرنا بالإقصاء بعد أن تحملنا أعباء الحرب وحافظنا على سير العملية التعليمية في أصعب الظروف”.
من جانبها، شددت المعلمة أمينة العبد، من مدينة مارع، على أن الكادر التعليمي في الشمال السوري “كان الركيزة الأساسية في استمرار العملية التربوية خلال سنوات الحرب والنزوح، إذ تحمل المعلمون مسؤولية كبيرة في إبقاء المدارس مفتوحة رغم الظروف القاسية وفقدان المقومات الأساسية”. وأوضحت أن “هؤلاء المعلمين يشعرون اليوم بأنهم مهددون بالتهميش والإقصاء، بعد أن كانوا خط الدفاع الأول عن حق الأطفال في التعليم”. وقالت لـ”العربي الجديد” إن من حقهم العدالة والإنصاف، من خلال تثبيتهم وضمان حقوقهم الوظيفية أسوة بغيرهم، و”تركنا في مهب المجهول سيضعف التعليم ويضاعف معاناة الطلاب قبل المعلمين أنفسهم”.
وأشار المدرس يوسف العلي، من مدينة إعزاز، إلى أن التأخير في اتخاذ القرارات المتعلقة بتثبيت المعلمين وتحديد أماكن عملهم “ينعكس بشكل مباشر على جودة التعليم، لأن المعلم الذي لا يعرف مصيره الوظيفي، أو ما إذا كان سيتقاضى راتبه، لا يمكنه أداء دوره التعليمي بكفاءة”، لافتاً إلى أن “هذا الغموض يضاعف شعور المعلمين بالإحباط، ويؤثر سلباً على تحضيرهم المناهج واستقبال الطلاب، ما قد يؤدي إلى تدهور العملية التعليمية منذ اليوم الأول للعام الدراسي”. كما حذر من أن استمرار تجاهل مطالب المعلمين “قد يدفع إلى حالة من الفوضى في الكوادر التعليمية مع انطلاق العام الدراسي المقبل”، مؤكداً أن “الحلول العاجلة والعادلة من وزارة التربية ضرورية لضمان استقرارهم الوظيفي، والحفاظ على حقوقهم الأساسية، بما يضمن في الوقت نفسه استمرار الطلاب في الحصول على تعليم متوازن ومنتظم”.
ويواجه قطاع التعليم في الشمال السوري تحديات كبيرة منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عقد، حيث تعرضت المدارس للتدمير أو الإغلاق بسبب القصف والنزوح القسري للسكان. ومع انقضاء سنوات النزاع، بقي المعلمون في مناطق ريف حلب الشمالي على رأس معركة استمرار التعليم، غالباً دون تثبيت وظيفي رسمي أو ضمان للرواتب.
ورغم الجهود المبذولة من قبل الكوادر التعليمية للحفاظ على العملية التعليمية، يشتكي آلاف المعلمين اليوم من المماطلة الإدارية وغياب الشفافية في تحديد أماكن عملهم، وتأخر فتح باب النقل والدمج مع مديرية تربية حلب، ما يتركهم في حالة من الضبابية تجاه مستقبلهم المهني. وتأتي هذه الاحتجاجات عشية بدء العام الدراسي الجديد، ما يزيد الضغط على المعلمين ويجعل مطالبهم بالإصلاحات العاجلة وضمان حقوقهم أمراً ملحاً، ليس فقط من أجل المعلمين أنفسهم، بل أيضاً لضمان استقرار العملية التعليمية واستمراريتها للطلاب في مناطق ريف حلب.