استعادة “وزارة الحرب”: انسجام لغوي مع عقلية المواجهة الترامبية

على مدى سبعة أشهر ونصف الشهر، منذ 20 كانون الثاني/كانون الثاني الماضي، تاريخ تسلمه منصبه الرئاسي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العديد من القرارات التنفيذية الجدلية، ومنها استبدال تسمية “خليج المكسيك” بـ”خليج أميركا”، غير أنه الجمعة، وقّع أمراً تنفيذياً قضى بتغيير اسم وزارة الدفاع (بنتاغون) إلى “وزارة الحرب”، في استعادة للاسم التاريخي للوزارة، الذي ساد بين عامي 1789 و1947. علماً أن ترامب نفسه، الساعي للحصول على جائزة نوبل للسلام، أكد مراراً أنه أوقف “سبع حروب”، وأنه يرفض المشاركة في حروب، حتى إنه قال لنظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال مشادتهما في البيت الأبيض في 28 شباط/شباط الماضي، إنه “يدفع الوضع (بين روسيا وأوكرانيا) إلى الحرب العالمية الثالثة”.

واعتبر ترامب أنّ توقيعه أمراً تنفيذياً بتغيير تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب”، يبعث “رسالة نصر” إلى العالم. وقال ترامب في تصريح لصحافيين في المكتب البيضوي بحضور الوزير بيت هيغسيث الذي بات “وزير الحرب”، إنّ الاسم الجديد “أكثر ملاءمة في ضوء وضع العالم راهناً”.

فرض “السلام من خلال القوة”

ومهّد ترامب لخطوته، بسلسلة إعلانات، آخرها صدر الخميس، مع كشف البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي “سيوقّع الجمعة أمراً تنفيذياً يسمح بإطلاق اسم (وزارة الحرب) على وزارة الدفاع، وذلك تنفيذا لوعد أطلقه أخيراً”. وأضاف بيان البيت الأبيض، أن “هذا الاسم سيحلّ مكان الاسم الأساسي ما أن تنتهي الإجراءات اللازمة لذلك ولا سيّما في الكونغرس”. وأوضح البيان أن المرسوم يأمر وزير الدفاع بيت هيغسيث باتخاذ كل الإجراءات، ولا سيما لدى السلطة التشريعية، بما يكفل “تغيير اسم وزارة الدفاع الأميركية بشكل نهائي إلى وزارة الحرب”. وبرّر البيت الأبيض رغبة ترامب بتغيير الاسم بالقول إن “الرئيس يرى أن هذه الوزارة ينبغي أن تحمل اسما يعكس قوتها التي لا تضاهى وقدرتها على حماية المصالح الوطنية”، مذكّراً أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر جيش في العالم. وبحسب البيت الأبيض، فإن الهدف هو فرض “السلام من خلال القوة” وضمان “احترام العالم للولايات المتحدة مرة أخرى”. في السياق، نشر هيغسيث، فجر اليوم الجمعة، عبارة “وزارة الحرب” على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان هيغسيث قد تناقش سابقاً مع ترامب حول تغيير الاسم، وأنشأ استطلاعاً على وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع في آذار/آذار الماضي. ومنذ ذلك الحين، لمح إلى أن لقبه وزيراً للدفاع قد لا يكون دائماً في مناسبات عامة متعددة، بما في ذلك خطاب في فورت بينينغ، بولاية جورجيا، أمس الخميس، وقال في قاعة مليئة بالجنود إنه “قد يكون هناك لقب مختلف قليلاً غداً”.

وفي نهاية شهر آب/آب الماضي، أعلن ترامب عزمه على تغيير تسمية وزارة الدفاع. وقال يومها للصحافيين إن “اسم (الدفاع) دفاعي أكثر من اللازم، ونحن نريد أن نكون هجوميين أيضاً”، ملمّحاً إلى أن تغيير هذا اسم الوزارة يحتاج إلى تصويت في الكونغرس. ووأنشئت وزارة الحرب عام 1789، وهو نفس العام الذي بدأ فيه سريان دستور الولايات المتحدة، وظلّ الاسم كذلك حتى عام 1947، عندما دمج الكونغرس الجيش والبحرية والقوات الجوية في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945).  ووفقاً للمؤرخين، فإن من أسباب اختيار اسم وزارة الدفاع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ركزت في العصر النووي على منع الحروب، أي بعد استخدامها القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في آب 1945، وما تلاها من بناء ترسانات نووية، تجاوز عددها أخيراً الـ12 ألف رأس نووي، وفق تقدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) في كانون الثاني الماضي. والدول التسع النووية في العالم هي، روسيا وأميركا وبريطانيا والصين وإسرائيل وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية.

وسيكون تغيير الاسم مرة أخرى مكلفاً وسيتطلب تحديث اللافتات ومقدمات الرسائل التي يستخدمها مسؤولو بنتاغون في واشنطن والمنشآت العسكرية حول العالم. وسعى الرئيس السابق جو بايدن لإعادة تسمية تسع قواعد عسكرية كانت تكرم الكونفدرالية وقادتها وكانت تكلفة ذلك ستصل إلى 39 مليون دولار. وألغى هيغسيث هذا المسعى العام الحالي. كذلك تسعى إدارة الكفاءة الحكومية التي شكلها ترامب، بهدف تقليص حجم الحكومة إلى إجراء تخفيضات في بنتاغون في محاولة لتوفير الإنفاق. ويعد تغيير أسماء الوزارات أمراً نادر الحدوث ويتطلب موافقة الكونغرس، ولا يمكن للرئيس تغيير الاسم رسمياً من دون تشريع، والذي ستطلبه إدارته من الكونغرس. ويتمتع الجمهوريون بأغلبية ضئيلة في مجلسي الشيوخ (53 جمهورياً و45 ديمقراطياً ومستقلان اثنان، من أصل مائة عضو) والنواب (219 جمهورياً، و212 ديمقراطياً، وأربعة مقاعد شاغرة، من أصل 435 عضواً).

ولم يبد قادة حزب الجمهوري في الكونغرس استعداداً يذكر لمعارضة أي من قرارات ترامب. ونقلت وكالة رويترز، عن السيناتورة الديمقراطية تامي داكوورث، وهي من العسكريين السابقين وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قولها: “لماذا لا توجه هذه الأموال نحو دعم أسر العسكريين أو توظيف دبلوماسيين يساعدون في منع نشوب الصراعات في المقام الأول؟”.

وتأتي خطوة ترامب على الرغم من تكراره أنه أنهى حروباً، وآخرها قوله مساء الأربعاء: “تمكّنت من إنهاء سبع حروب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يعرف موقفي، وأنتظر اتخاذه القرار بشأن أوكرانيا خلال أسبوعين وبعدها سنرى ما سيحصل”. وتباهى الرئيس الأميركي بأنه أوقف حروب أرمينيا – أذربيجان، والكونغو الديمقراطية – رواندا، وصربيا – كوسوفو، ومصر – إثيوبيا، والهند – باكستان، وتايلاند – كمبوديا، وإسرائيل – إيران. مع العلم أن دوره في معظم تلك الحروب لم يكن مباشراً ولا حاسماً. كما أن محاولته وقف الحرب الروسية في أوكرانيا باءت بالفشل حتى الآن، رغم تعهّده بوقفها “خلال 24 ساعة” في حملته الانتخابية لرئاسيات 2024.

ظلّ اسم وزارة الحرب سائداً بين عامي 1789 و1949

تمادي ترامب تحت اسم وزارة الحرب

ويُظهر تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب نزعة ترامب إلى ترك آثار عالية الكلفة في مختلف قطاعات النظام الأميركي. ولا يقتصر الأمر على العسكر، بل أيضاً في الاقتصاد، بهجومه المتمادي على رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، داعياً إياه مرات عدة لخفض الفائدة. ومع أن باول علّل رفضه ذلك بأرقام وحسابات، إلا أن رد ترامب كان عنيفاً، إذ قال عنه مرة أنه “مُسيّس ومتأخر جداً وبلدنا من يدفع الثمن”، علماً أن الرئيس الأميركي هو نفسه من عيّن باول في منصبه خلال ولايته الأولى (2017 ـ 2021). كذلك، قال ترامب في إحدى المرات: “سيكون حدثاً عظيماً لو استقال” باول. ولم يكتفِ بذلك، بل أقال الرئيس الأميركي في 25 آب الماضي، محافظة الاحتياطي الفدرالي ليزا كوك، “بأثر فوري” للاشتباه باحتيالها في قضية رهن عقاري. لكن كوك ردت عليه بالإشارة إلى أنه “زعم أنه أقالني لسبب وجيه، في حين أنه لا يوجد سبب قانوني، وليست لديه صلاحية القيام بذلك.. لن أستقيل”.

ولم يتردد ترامب أيضاً في دفع الجمهوريين في ولاية تكساس إلى اعتماد خريطة جديدة للدوائر الانتخابية، من شأنها أن تسمح للجمهوريين بالفوز بخمسة مقاعد إضافية في الكونغرس، في الانتخابات النصفية في المقررة في الثالث من تشرين الثاني/تشرين الثاني 2026. وإثر مصادقة برلمان ولاية تكساس، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، على الخريطة الجديدة في 22 آب الماضي، كتب ترامب على منصته “تروث سوشيال”: “نحن في طريقنا لنيل خمسة مقاعد إضافية في الكونغرس. ولم يتوقف ترامب هنا، إذ يسعى إلى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في ولايات أخرى، منها إنديانا وأوهايو وميزوري.

(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)