يستيقظ البريطانيون كل صباح على وقع أخبار اقتصادية سيئة غالبا، أو متضاربة أحيانا، بعدما أصبحت مصطلحات مثل “الانخفاض” و”التراجع” و”أزمة تكاليف المعيشة” ضيفا دائما على نشرات الأخبار.
أحدث التقارير في هذه السلسلة يتعلق بمبيعات التجزئة خلال النصف الأول من العام الجاري والتي صدرت بشأنها أرقام معدلة تشير إلى أنها انخفضت بمعدل أكبر مما أُعلن سابقا. هذا الخبر الذي تصدر نشرات بي بي سي هذا الصباح، كان مفاجئا لكنه ليس صادما لجمهور يتوقع الأسوأ من الأداء الاقتصادي الذي يلازم بريطانيا منذ نهاية جائحة كورونا.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية، اليوم الجمعة، إن حجم المبيعات ارتفع بنسبة 1.1% فقط في النصف الأول من العام، وهو أقل من التقدير السابق البالغ 1.7%. وجاءت المراجعة بعدما اكتشف الإحصائيون خطأ في طريقة تعديل البيانات موسمياً. وهو ما يعني أن قيمة المبيعات وحسب التقديرات المعدلة ستكون أقل بمبلغ 2.7 مليار دولار عما أُعلن سابقا.
ويلقي هذا الخطأ بظلال من الشك على أداء مكتب الإحصاءات الوطنية، الذي يعاني بالفعل، كما من شأنه أن يعمق النقاش حول طبيعة عمله، خاصة في ظل المقترحات بخفض الميزانية الفعلية له. فقد أثرت سلسلة من المشكلات بالفعل على بيانات سوق العمل والأسعار والناتج المحلي الإجمالي ومبيعات التجزئة، ما يصعّب على صانعي السياسة النقدية في بنك إنكلترا (المركزي البريطاني) والوزراء الحكوميين تكوين صورة دقيقة عن وضع الاقتصاد البريطاني.
الأرقام الجديدة تهدد بتغيير السردية التي كانت تشير إلى أن المستهلك البريطاني بدأ يخرج من فترة طويلة من الحذر الشديد الذي كبّل الاقتصاد. ونظراً لأن الاستهلاك يشكل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، فإن دقة بيانات الإنفاق العائلي تعد حاسمة بالنسبة للبنك المركزي، وهو يقرر ما إذا كان سيواصل خفض أسعار الفائدة.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن مراجعات بيانات مبيعات التجزئة كان لها تأثير هامشي فقط على الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، ما أبقى معدل النمو عند 0.7% دون تغيير فعلي. كما لن تتأثر التقديرات المقبلة للناتج المحلي لشهر تموز/ تموز بهذه التعديلات. وتُساهم مبيعات التجزئة بنحو 4.8% في الناتج المحلي الإجمالي.
واعتبر خبراء اقتصاديون أن الارتفاع الشهري في مبيعات التجزئة خلال تموز الماضي، والذي جاء أسرع من المتوقع، يمثل الخبر الإيجابي الوحيد في البيانات الصادرة حديثا.
المراجعات للفترات السابقة أظهرت أن إنفاق العائلات توسّع بوتيرة أبطأ بكثير في النصف الأول من العام مقارنةً بالتقديرات الأولية. فعلى سبيل المثال، كانت مبيعات المتاجر الكبرى مُقدَّرة في البداية بأنها ارتفعت بنسبة 5.5% في الشهر المنتهي في إبريل/ نيسان، لكن الأرقام المعدلة خفضت هذا المعدل إلى 0.7% فقط.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن حجم السلع المباعة عبر الإنترنت وفي المتاجر ارتفع بنسبة 0.6% في تموز على أساس شهري، بعد تعديل الانخفاض في مكاسب حزيران/ حزيران إلى 0.3%. وجاءت هذه الزيادة أعلى من توقعات المحللين البالغة 0.2%، وهي تمثل أول تحسن متتالٍ منذ بداية العام.
وكان إصدار بيانات مبيعات التجزئة لشهر تموز قد تأخر أسبوعين بعدما أشار مكتب الإحصاءات الوطنية إلى الحاجة لمزيد من “ضمان الجودة”. وقد شكك محللو التجزئة والاقتصاديون في دقة بيانات الإنفاق الرسمية، مشيرين إلى إخفاقات في التكيف مع التحولات الموسمية وعدم مواكبة صعود التسوق عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك”. وقال المكتب إنه فتح تحقيقاً بعدما أعرب اقتصاديون ومستخدمون آخرون عن قلقهم بشأن هذه البيانات.
أسعار المنازل
على صعيد آخر، كشف مصرف وجمعية إسكان “هاليفاكس” عن أرقام جديدة بشأن أسعار المنازل في بريطانيا، تشير إلى أنها ارتفعت للشهر الثالث على التوالي، مسجلة بذلك رقما قياسيا جديدا.
تتناقض هذه الأرقام مع إحصاءات نُشرت في آب/ آب وأشارت إلى أن المعروض للبيع من المنازل في بريطانيا بلغ مستوى هو الأعلى منذ 2004، وهو ما يعزز فرضية تراجع الأسعار مع عدم الإقبال على الشراء.
لكن الأرقام الجديدة الصادرة عن “هاليفاكس” تفيد بأن تراجع أسعار الفائدة وارتفاع الأجور بمعدل يزيد عن التضخم عزز القدرة الشرائية للباحثين عن منازل.
وقال التقرير الصادر عن المؤسسة، اليوم الجمعة، إن متوسط سعر المنزل ارتفع بنسبة 0.3% ليصل إلى 299.331 جنيهاً إسترلينياً (403.090 دولاراً) في آب، بعد زيادة قدرها 0.4% في الشهر السابق. وارتفعت قيمة العقارات بنسبة 2.2% مقارنة بالعام الماضي، متجاوزةً بقليل أعلى مستوى قياسي سُجّل في كانون الثاني/ كانون الثاني الماضي.
ويشير التقرير إلى أن سوق الإسكان استعاد استقراره بعد التراجع المؤقت الذي أعقب انتهاء الإعفاء الضريبي على مشتريات العقارات في إبريل، وإن الطلب مدعوم بانخفاض معدلات الرهن العقاري ونمو الأجور الذي يواصل – حتى الآن – التفوق على معدل التضخم.
كما أظهرت بيانات بنك إنكلترا (المركزي البريطاني) في وقت سابق من الأسبوع ارتفاعاً قوياً في الطلب، حيث ارتفعت موافقات الرهن العقاري في تموز إلى أعلى مستوى في ستة أشهر.
لكن ما يثقل كاهل السوق هو وفرة المعروض العقاري وتجدد التضخم الذي يضغط على ميزانيات الأسر، واحتمال فرض ميزانية خريفية جديدة تتضمن زيادات ضريبية – ربما تستهدف العقارات – لسد فجوة في خطط وزير الخزانة رايتشل ريفز.
وتتناقض بيانات “هاليفاكس” مع بيانات جمعية “نيشنوايد” التي أظهرت تراجع الأسعار بشكل مفاجئ بنسبة 0.1% الشهر الماضي، حيث اتسم مؤشرها بأداء متقلب خلال الصيف. ويستند المؤشران إلى تقييمات يجريها المقرضون لتحديد القيمة الفعلية للعقار قبل بيعه.