تشهد فرنسا اضطرابا جديدا في قطاع الطاقة الحيوي مع إعلان شركة الكهرباء الوطنية إلكتريسيتيه دو فرانس عن تراجع إنتاج عدد من مفاعلاتها النووية بسبب الإضرابات العمالية، وذلك في وقت تتفاقم الأزمة السياسية في البلاد على خلفية خلافات حادة حول الموازنة العامة. ووفقا للإشعارات الرسمية الصادرة عن الشركة، بلغت التخفيضات في الطاقة المنتجة نحو 2 غيغاواط في محطات نووية رئيسية مثل دامبيير 2 وسان ألبان 1 وفلامانفيل 2، وهي نسبة مؤثرة في سوق الطاقة الأوروبية بالنظر إلى اعتماد فرنسا الكبير على الطاقة النووية التي تشكل ما يقارب 70% من إنتاجها الكهربائي. ويستمر التأثير حتى نهاية الأسبوع الجاري، حيث يتزامن مع سلسلة من الإضرابات الوطنية التي دعت إليها النقابات العمالية احتجاجا على السياسات الاقتصادية للحكومة.
وأكدت النقابة العمالية “CGT”، التي تعد الأكثر نفوذا في قطاع الطاقة، أن دوافع الإضراب تتراوح بين المطالبة برفع الأجور للعاملين في قطاع الكهرباء، وبين الضغط من أجل خفض فواتير الطاقة للأسر الفرنسية التي تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة. يأتي ذلك في وقت يواجه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو تهديدا مباشرا بسحب الثقة منه، حيث يعتزم التقدم بطلب تصويت على الثقة يوم الاثنين المقبل في البرلمان، في محاولة لتجاوز الانقسامات العميقة داخل الطبقة السياسية بشأن الموازنة.
ورغم القيود على الإنتاج النووي، حافظت فرنسا على قدرتها التصديرية، حيث أشارت البيانات الصادرة أمس الأربعاء إلى أنها ما زالت تصدر نحو 15 غيغاواط من الكهرباء إلى جيرانها الأوروبيين، وهو ما يعكس مرونة نسبية في النظام الكهربائي. كما لم تسجل قفزات حادة في أسعار الكهرباء بالجملة، ما يوضح أن الأسواق حتى الآن قادرة على امتصاص آثار الإضراب، ربما بفعل وفرة الإمدادات في لحظة زمنية محدودة. إلا أن المخاطر تظل قائمة إذا ما استمرت الإضرابات لفترات أطول أو إذا تراكمت الضغوط على منشآت التوليد الأخرى، خاصة مع دخول الشتاء الذي يرفع عادة مستويات الطلب على الكهرباء.
وتستعد فرنسا لموجة أوسع من الاحتجاجات الشعبية في العاشر من أيلول/أيلول الجاري، إذ أعلنت النقابة العمالية CGT ومعها عدد من القوى السياسية عن تنظيم مظاهرات جماهيرية لمعارضة الخطة الاقتصادية للحكومة. كما تخطط النقابات لإضراب جديد يوم الثامن عشر من الشهر ذاته، ما قد يطيل أمد حالة الاضطراب في الاقتصاد الفرنسي. ويرى مراقبون أن هذا التصعيد النقابي يعكس فقدان الثقة المتزايد في قدرة الحكومة على تحقيق توازن بين متطلبات خفض العجز المالي وضمان العدالة الاجتماعية، خاصة مع شعور شريحة واسعة من المواطنين بأنها تتحمل كلفة السياسات الاقتصادية دون الحصول على مقابل ملموس في تحسين مستوى المعيشة. وتعد فرنسا أكبر مصدر للكهرباء في أوروبا، لذا فإن أي تراجع مطول في إنتاجها قد يحدث هزات في أسواق الطاقة الإقليمية، خصوصا في دول مثل ألمانيا وبلجيكا التي تعتمد بشكل متزايد على الواردات الفرنسية لتغطية ذروة الطلب.