شارك مئات من معلّمي شمال غربي سورية في وقفة احتجاجية أمام مجمّع عفرين التربوي في محافظة حلب للمطالبة بحقوقهم المهنية المشروعة، اليوم الأربعاء. وجاءت وقفتهم رفضاً لسياسة “التهميش” و”الإقصاء” التي تستهدفهم، ورفضاً لاستمرار تأخير رواتبهم وعدم تثبيتهم رسمياً لدى وزارة التربية والتعليم، وتصنيفهم “وكلاء غير مثبتين” على الرغم من سنوات الخدمة والتضحيات التي قدّموها في ظروف بالغة الصعوبة على امتداد الحرب.
ويعيش آلاف المعلّمين في مناطق شمال غربي سورية، تحديداً في ريف حلب الشمالي، في حالة من عدم الاستقرار الوظيفي والقلق على مصيرهم المهني، إذ يواجهون إجراءات غير واضحة وتهميشاً في عملية التثبيت. ولا يهدّد ذلك فقط استقرارهم المعيشي بما أنّهم بمعظمه يعتمدون على رواتبهم مصدر دخل أساسياً، بل تُطرَح تساؤلات كذلك حول مستقبل التعليم في المنطقة.
وقال ياسر الفضيل، مدرّس لغة فرنسية من منطقة عفرين، لـ”العربي الجديد”، إنّ نحو 18 ألف معلّم في شمال سورية “يعيشون حالة من التهميش الممنهج” بعد دمج المؤسسات التعليمية التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” سابقاً في إطار وزارة التربية والتعليم التابعة للنظام السوري الحالي الذي يرفض الاعتراف بالتعيينات والمسابقات السابقة التي خضع إليها المعلّمون في تلك المناطق.
وأوضح الفضيل أنّ “من خلال قرار الاندماج، جرى التعامل معنا كمجموعة من معلّمي حلب فحسب، وأُخضع تعييننا لمعايير الحاجة، الأمر الذي يكرّس سياسة الإقصاء بحقّنا”، مشيراً إلى أنّ هذا القرار “يتجاهل سنوات من النضال والعمل وسط الظروف الصعبة”. أضاف: “كنّا موظفين معتمَدين من قبل الضامن التركي، وقد خضنا لمسابقات توظيفية رسمية كتابية وشفهية”، لكن بعد سقوط النظام السوري السابق و”دمج مؤسساتنا في إطار الحكومة الحالية، جرى تجاهل كلّ هذه الاعتمادات السابقة”.
وشدّد مدرّس اللغة الفرنسية على أنّ “المعلّمين لم يعودوا يقبلون الوعود غير المنجَزة”، مطالباً بـ”دمج عادل وشامل لجميع المعلّمين القائمين على رأس عملهم من دون أيّ شروط”، محذّراً من أنّ “استمرار هذا التهميش سوف يؤدّي إلى انهيار العملية التعليمية في مناطق كانت قد حفظت راية التعليم في أحلك الظروف”.
من جهتها، قالت منيرة البكور، مدرّسة من أعزاز، لـ”العربي الجديد”، إنّ “المعلمين خضعوا لمسابقات توظيفية معتمدة في عامَي 2015 و2018، بالإضافة إلى مشاركتهم في دورات تأهيلية مكثّفة تحت إشراف مختصّين”. أضافت أنّ “هذه المؤهلات تستدعي إنصافهم بقرار إداري عادل يحفظ حقوقهم المهنية ويعترف بتضحياتهم السابقة”. وتابعت: “شاهدنا كيف جرى تثبيت زملائنا في إدلب (شمال غرب) من دون إجراءات معقّدة ولا مقابلات، في حين نواصل نحن في ريف حلب الشمالي نضالنا للحصول على أبسط حقوقنا رغم سنوات الخدمة. فقد درّسنا تحت القصف وفي الخيام، بتضحيات لا يعرفها إلا من عاش معاناة الحرب، واليوم نواجه وعوداً غير منجزة وإجراءات مجحفة تهدّد بمحو كلّ ما بنيناه”. وطالبت البكور بتقييم شامل وعادل لجميع معلّمي سورية، لا أن يقتصر التثبيت على مناطق دون أخرى.
في سياق متصل، كشف مصدر تربوي سوري لـ”العربي الجديد” نيّة وزارة التربية والتعليم تشكيل لجنة وزارية مشتركة لدراسة أوضاع المعلّمين المتعاقدين في شمال غرب سورية، على أن تزور المنطقة في الأسبوع المقبل للقاء ممثلي المعلّمين ودراسة مطالبهم على الأرض. أضاف المصدر أنّ “اللجنة تحمل مقترحات عملية تشمل منح صفة الموظف العام لجميع المعلّمين الذين أمضوا أكثر من ثلاث سنوات في الخدمة، مع صرف الرواتب المتأخّرة عن الأشهر الماضية تدريجياً”.
ولا تُعَدّ احتجاجات عفرين اليوم الأولى من نوعها، فقد سبقتها وقفات احتجاجية شهدتها مناطق مثل أعزاز والباب نظّمتها “نقابة المعلّمين السوريين الأحرار”. ومع اقتراب العام الدراسي الجديد 2025-2026، يهدّد غياب الحلول العملية على الأرض بانسحاب جماعي للمعلّمين، الأمر الذي من شأنه أن يؤثّر على العملية التعليمية في مناطق تعاني أصلاً من نقص في الكوادر والبنية التحتية. وإلى حين تنفيذ مطالبهم، يواصل المعلّمون في مناطق الشمال السوري تصعيد احتجاجاتهم السلمية، مطالبين الجهات المعنية بالإسراع في حلّ أزمتهم وإنصافهم، ومحذّرين من تداعيات قد تعطّل العملية التعليمية برمّتها مع اقتراب بداية العام الجديد، لتبقى قضية تثبيت معلّمي شمال سورية اختباراً حقيقياً لجدية الجهات المعنية في تحقيق العدالة واستقرار التعليم. ومن دون حلّ عاجل وشامل، قد تتفاقم الأزمة الإنسانية والتعليمية في منطقة تعاني من تداعيات سنوات الحرب.