قفزة تاريخية لعوائد سندات ثلاث دول أوروبية

تشهد أسواق الدين الأوروبية اضطراباً واسعاً دفع عوائد السندات طويلة الأجل إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، في ظل مزيج من المخاطر السياسية والمالية، بخاصة في فرنسا وبريطانيا، والضغوط العالمية على أسواق السندات. فقد ارتفعت عوائد السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عاماً فوق 5.7%، وهو أعلى مستوى منذ عام 1998، بينما قفزت العوائد الفرنسية المماثلة إلى 4.51%، وهو الأعلى منذ عام 2009، وفق بيانات “رويترز” و”بلومبيرغ”. 

وفي لندن، هبط الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.34 دولار مسجلاً أكبر خسارة يومية منذ إبريل/نيسان الماضي، كما انخفض أمام اليورو إلى أكثر من 87 بنساً. هذا التراجع ترافق مع موجة بيع في الأسهم، حيث فقد مؤشر FTSE 100 نحو 0.5%، بينما هبط FTSE 250 (الأكثر ارتباطا بالاقتصاد المحلي) بنسبة 1.6%، مع خسائر واسعة لأسهم العقارات والبنوك وتجار التجزئة. ويعزو المحللون هذه التطورات إلى مخاوف متزايدة من عجز مالي يبلغ 51 مليار جنيه إسترليني في الموازنة البريطانية المقبلة، الأمر الذي يرفع كلفة خدمة الدين العام التي تجاوزت أصلاً 100 مليار جنيه سنوياً، أي أكثر مما تنفقه الحكومة على التعليم أو الدفاع، بحسب مكتب مسؤولية الميزانية البريطاني.

وفي باريس، جاء صعود العوائد مدفوعاً بالاضطرابات السياسية أكثر من المؤشرات الاقتصادية، إذ يواجه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو اختباراً حاسماً في تصويت الثقة المقرر في 8 أيلول/أيلول، وسط تهديدات من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بالدفع نحو انتخابات مبكرة. ووفق تقديرات بنك ING، قد ترتفع نسبة الدين الفرنسي إلى 125% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2029 إذا لم تعتمد إصلاحات جادة، فيما تستهدف الحكومة خفضها إلى نحو 117% فقط. وقد أدى ذلك إلى اتساع الفجوة مع السندات الألمانية إلى 80 نقطة أساس، ما يعكس ارتفاع علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بالديون الفرنسية. 

ولم تتوقف موجة البيع عند لندن وباريس، فقد ارتفعت عوائد السندات الألمانية لأجل 30 عاماً إلى 3.41%، وهو الأعلى منذ 14 عاماً، بينما صعدت السندات الإسبانية إلى 4.29%، والإيطالية إلى 4.66%. ويرى محللون أنّ خطط الاستثمار الجديدة وزيادات الإنفاق الدفاعي في منطقة اليورو ستؤدي إلى تراكم مستويات أعلى من الدين العام، وهو ما يدفع المستثمرين إلى المطالبة بعوائد أكبر لتعويض المخاطر. كما أشار خبراء في “بلومبيرغ” إلى أنّ هناك قواسم مشتركة بين الاقتصادات الأوروبية، أبرزها شيخوخة السكان وضعف النمو، وهو ما يضغط على الإيرادات الضريبية ويجعل الحكومات مضطرة للاقتراض لتغطية الإنفاق المتزايد، وسط صعود لافت للشعبوية السياسية.

وتأتي هذه التطورات في وقت حرج للبنوك المركزية. فقد ارتفع التضخم في منطقة اليورو قليلاً في آب/آب ليبقى قريباً من هدف 2% للبنك المركزي الأوروبي، ما يجعل خيار خفض الفائدة محفوفاً بالمخاطر. وتتوقع الأسواق احتمالاً بنسبة 70% لخفض الفائدة الأوروبية في حزيران/حزيران 2026، لكنّ استمرار تقلبات السندات قد يعرقل ذلك. وفي بريطانيا، تراجع احتمال خفض بنك إنكلترا لأسعار الفائدة، إذ يخشى المستثمرون أن يؤدي أي تيسير نقدي إلى تفاقم الضغوط على الجنيه وزيادة المخاطر التضخمية.