وسط أجواء اقتصادية ضاغطة في مصر تعكس صعوبة خروج قطاع الأدوية من كبوته التي يعاني منها على مدار أربع سنوات، استضافت القاهرة مؤتمر فارما كونكس 2025 على مدار ثلاثة أيام، لمناقشة مستقبل صناعة الدواء في البلاد.
عكست الحوارات صعوبة المشهد الذي تمر به صناعة الأدوية، في ظل تذبذب العملة وتراكم الديون الحكومية لصالح شركات الأدوية، الأمر الذي أدى إلى تعطل خطوط إنتاج حيوية، نتج عنها نقص في 800 صنف دواء أساسي في الصيدليات والمستشفيات العامة، منها أدوية تعالج الأورام والضغط والسكري والقلب والهرمونات والجلطات وبخاخات الربو والمستحضرات الطبية وحقن الإخصاب ومراهم جلدية أساسية.
يثير النقص الحاد في الأدوية مع الزيادة الكبيرة في الأسعار أزمة لدى المنتجين وغضب المواطنين، خاصة لدى ذوي الدخل المحدود، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الحصول على علاجهم اليومي.
جاءت الاجتماعات الفنية خلال اليومين الماضيين بين ممثلي الجهات الرسمية بالدولة ونحو 40 مؤسسة أممية وعربية وقيادات محلية وخبراء دوليين بهدف جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الأدوية والمكملات، بينما يلجأ ملايين المرضى إلى السوق السوداء لشراء أدويتهم بأسعار مضاعفة، بعدما عجزوا عن تأمين الدواء من الصيدليات والمستشفيات.
قالت مصادر رفيعة شاركت في المؤتمر الدولي، الذي غابت عنه أغلب الشركات المحلية المنتجة للأدوية وقيادات وزارة الصحة المصرية، إن المديونيات الحكومية تدفع صناعة الأدوية إلى الشلل بسبب المديونيات الخانقة التي تتراكم لصالح المصنعين والموردين على المستشفيات الحكومية وهيئة الشراء الموحد المكلفة بقرارات رئاسية بأن تكون الوسيط الوحيد لشراء مستلزمات إنتاج المصانع من المواد الخام وجلب الأدوية من الموردين الأجانب لصالح الموزعين والمصانع، والتي أصبحت البوابة الوحيدة القادرة على تدبير العملة الصعبة من البنوك والمهيمنة على تجارة الأدوية المستوردة في البلاد.
أدوية مفقودة وغالية
يؤكد رئيس المعهد القومي للأورام الأسبق الدكتور مدحت خفاجي أن المبالغ المستحقة لصالح شركات الأدوية وموردي الأدوية لدى هيئة الشراء الموحد تقدر بنحو 30 مليار جنيه، مفندًا في حديث لـ”العربي الجديد” المبالغ بأنها قيمة ما دفعته الشركات للهيئة لحساب شراء مواد خام ومستلزمات إنتاج، وتم سحب قيمتها من البنوك بالدولار، وأخرى قيمة صفقات سبق الاتفاق عليها مع موردين أجانب لصالح الوكلاء المحليين، ودخلت الأدوية البلاد دون أن تلتزم هيئة الشراء الموحد بسداد فواتيرها على مدار السنوات الثلاث الماضية.
تقدّر شركات أدوية كبرى متأخراتها لدى الحكومة وهيئة الدواء الموحد بنحو 32 مليار جنيه، منها خمسة مليارات لصالح شركة ابن سينا فارما للأدوية، وسبعة مليارات لفارما أوفرسيز، و11 مليارًا لمصر فارما، وتسعة مليارات للمصرية لتجارة الأدوية التابعة لقطاع الأعمال، والتي توقفت عن شراء أدوية مهمة من الخارج، من أشهرها المضادات الحيوية ولبن الأطفال، الذي ظل يوفر بأسعار رخيصة للمواطنين، قبل أن يشهد حالة من الغلاء الفاحش مع شحه في الأسواق. (الدولار = 48.52 جنيهاً).
تعكس الأرقام نزيفًا متواصلًا للسيولة النقدية لدى الشركات، كما يذكر خفاجي، ما جعلها عاجزة عن استيراد المواد الخام أو الوفاء بالتزاماتها البنكية، بما أدى إلى تعطل الإنتاج ونقص الأدوية وارتفاع أسعارها، مشيرًا إلى أن الدولة بدلًا من أن تساعد الشركات على إزالة السبب الأساسي لأزمة الأدوية، فإن هيئة الدواء الحكومية سمحت للشركات بزيادة 1600 صنف دوائي على مدار الأشهر الماضية.
في المقابل، ترى شعبة الأدوية بالغرفة التجارية أن زيادة أسعار الأدوية التي أقرتها الحكومة على دفعتين، إحداهما بنسبة 24% وأخرى 30%، غير كافية لمعادلة القفزات في كلفة الإنتاج، خاصة مع تراجع الجنيه أمام العملات الرئيسية وارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة. تطالب الشعبة بزيادة دورية تشمل نحو 100 صنف شهريًا، محذرة من أن توقف خطوط إنتاج الشركات يفاقم أزمة النقص المتكرر للأدوية.
رغم تنوع محاور المؤتمر وحضور أسماء دولية وإقليمية، غابت شركات الأدوية المصرية الحكومية والخاصة العريقة. وقال مدير إحدى الشركات الدوائية المالكة لعدة مصانع بمدن 6 تشرين الأول الصناعية، غرب العاصمة، والمنطقة الصناعية الحرة بقويسنا، وسط الدلتا، لـ”العربي الجديد”، إن الشركات تركز على إدارة مديونياتها المتراكمة وضمان استمرار إنتاجها بدلًا من المشاركة في فعاليات ذات طابع تسويقي يتطلع للمستقبل البعيد دون القدرة على حل الأزمات المستعصية حاليًا.
وبيّن المصدر أن تطلع شركات الأدوية المحلية للعمل في الخارج هو محاولة للخروج من السوق المحلي الضيق وصعوبات التسعير الجبري على الأدوية، جعل البعض ينظر إلى السوق الأفريقي والعربي باعتباره طوق نجاة لما له من فرص كبيرة للبيع بأسعار مقبولة لدى عدد كبير من السكان وأنظمة تسعير مرنة غير متوافرة بالسوق المحلية. ويقدّر منتجو الصناعات الدوائية استثمارات المصانع المحلية بما بين 85 مليارًا و100 مليار جنيه سنويًا، مع زيادة في الطلب تراوح ما بين 8% و10%.