لبيد يفتتح الجولة الانتخابية: معركة على أصوات المعسكر المُعارض

على الرغم من أن موعد الانتخابات الإسرائيلية لم يُحدد بعد، والحكومة لم تتفكك أو تُحَل ورئيسها، بنيامين نتنياهو

، يبعث رسائل طمأنة لشركائه مفادها بأنّ الائتلاف سيواصل ولايته حتّى النهاية، افتتح رئيس المعارضة الصهيونية يئير لبيد رسمياً، أمس الاثنين، حملة انتخابات حزبه “يش عتيد” (هناك مستقبل)، في خطوة تتعامل مع المسألة من منظور “وكأن يوم الحسم هو صباح الغد”، حسبما أوردت صحيفة معاريف العبرية، اليوم الثلاثاء، مشيرةً إلى أنها تأتي في سياق التوجه نحو ساحة واحدة واضحة: المعسكر المناوئ لنتنياهو.

التحضيرات المتسارعة أتت في مؤتمر عقده الحزب تحت عنوان “نُحارب من أجل الغد”، وفيه أطلق لبيد تصريحات عدّة صوّرت مؤتمره وكأنه يُعقد “في حالة طوارئ”؛ إذ حدد الأمر بالقول: “نحن في سنة انتخابية”، عائداً على تصريحاته المكرورة لوصف ما تعيشه إسرائيل منذ عامين، وقال إنه “منذ 1948 لم نشهد سنة حاسمة أكثر من هذه لمصير الدولة”، مستخدماً لغة الحرب الوجودية ومواصلاً الحديث عن نهاية الصهيونية “إذا نجح نتنياهو بالفوز بولاية أخرى”. وشدد لبيد في حديثه على أن “ثمة نافذة فرص تُغلَق، ودولة تنهار إذا لم تُشكّل حكومة أخرى”، مشيراً إلى “مسؤولية تاريخية” تقع على عاتق حزبه.

ومع أن رسائل لبيد الدراميّة انطلقت في محاولة لتصوير المخاطر الكامنة ببقاء ائتلاف “معسكر المؤمنين” في سدّة الحكم، خصوصاً وسط التدهور الذي تسبب به في مكانة إسرائيل على الساحة الدولية، إلا أن حقيقة أخرى تكمن خلف تصريحاته؛ إذ يدرك لبيد جيداً، وفقاً للصحيفة، أن معركته الحقيقية ليست ضد حزب الليكود أو ضد نتنياهو، والدليل أن من يريد الإطاحة بالأخير لن يصوّت لـ”الليكود” على أي حال. فالمعركة الحقيقية التي تخوضها المعارضة الإسرائيلية هي على جذب أصوات رافضي استمرار نتنياهو بالحكم.

وعلى خلفية ما تقدم، فإنّ معركة لبيد ستُدار داخل المعسكر نفسه، أي المعارضة الصهيونية، وستتناحر الأحزاب المنضوية فيها، وعلى رأسها حزبه، على نيل أصوات الناخبين، الذين هدفهم الأساسي هو إسقاط نتنياهو ومعسكره عن الحكم. فهي معركة “على قلوب جمهور يُعرّف بأنه مناهض لبيبي (نتنياهو)”، وتتنافس عليه اليوم كل أحزاب المعارضة، إلى جانب لاعب قديم جديد يستعد للعودة إلى الساحة؛ نفتالي بينت، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، الذي تُرجح استطلاعات الرأي المتتابعة فوزة بحصة الأسد من المقاعد البرلمانية.

أمّا بالنسبة لرسالة لبيد الموجهة إلى الجمهور المناوئ لنتنياهو، ومفادها بأنه “فقط معنا يمكنكم أن تكونوا واثقين من أن أحداً لن يسرق صوتكم وينقله إلى نتنياهو”، فهي لم تأت من فراغ؛ حيث وصفتها الصحيفة بأنها لسعة مباشرة موجّهة نحو بينت، الذي تفككت حكومته المشتركة مع لبيد عام 2022؛ حيث إن حزب “يمينا” الذي قاده بينت سابقاً يتبنى أيديولوجية يمينية لا تختلف كثيراً عن “الليكود”، وبسبب التباينات والمُركبات المختلفة التي تألفت منها حكومة “التغيير” (حكومة بينت لبيد التي كان من المفترض أن يتناوب الرجلان على رئاستها) في حينه، تفجّرت الخلافات إلى أن تفككت الحكومة، ما قاد إسرائيل إلى انتخابات مبكرة وفوز نتنياهو مجدداً عام 2022، ضمن ائتلاف وُصف بكونه “الأكثر تطرفاً” منذ قيام دولة الاحتلال.

ومع ذلك، فإن ثمة فروقات كبيرة عن الانتخابات السابقة هذه المرة، فبينت لا يتنافس على أصوات الجمهور اليميني ولا على مصوّتي اليمين الحائرين بينه وبين نتنياهو. وإنما على أصوات معسكر “الوسط – يسار”، الذي يضم في صفوفه أيضاً اليمين الليبرالي المؤلف من إسرائيليين لا يرغبون بنتنياهو مجدداً في رئاسة الحكومة.

وعلى خلفية ما سبق، تشير الصحيفة إلى أن خريطة المشهد تُرسم من خلال المعركة الكبيرة على الأصوات ذاتها داخل المعسكر نفسه. وبحسبها فإن لبيد يعرف أن بينت يشكل تهديداً عليه أكثر من رئيس حزب “أزرق أبيض”، بيني غانتس، أو رئيس حزب “الديمقراطيون”، يئير غولان؛ حيث يتذكر لبيد جيداً التاريخ المشترك لتأسيس “حكومة التغيير”، والطريقة التي خرج بها بينت منها، حين تفكك حزبه ببساطة، ومعه تفكك الائتلاف بأكمله، تاركاً لبيد يدير حكومة ضيّقة كان مصيرها معروفاً مسبقاً.

والآن، مع اقتراب العودة إلى الساحة، يمكن لبينت، وفقاً للصحيفة أن يظهر بوصفه مرشّحاً صاحب تجربة مثبتة، وشخصية معروفة لدى الجمهور بقدرتها على جذب شريحة كبيرة من ناخبي الوسط. وعلى هذا المستوى، كان خطاب لبيد أقل توجهاً في إطار المعركة ضد نتنياهو، وأكثر إنذاراً إلى داخل المعسكر المعارض؛ حيث قال: “لا تُخدعوا مرة أخرى بمن يعد بحكومة وسط ويستطيع أن يبيع أصواتكم”، وبذلك حمل خطابه رسالة مزدوجة مفادها بأن شرط الحفاظ على المعسكر موحداً يكون بالمشي خلف “هناك مستقبل”، إلى جانب الإشارة إلى بينت بوصفه خصماً مركزياً قد يفرّغ من خزّان الدعم للمعارضة.

خطاب لبيد، ذو الرسائل المكرورة، عدّته الصحيفة مشكلة بالنسبة إلى الجمهور الإسرائيلي الذي سمع بالفعل قادة المعارضة ينذرون بـ”ساعة الطوارئ” أكثر من مرّة، في كل جولة انتخابات، بوصفها الانتخابات المصيرية منذ قيام إسرائيل، وأنها بالنسبة للمعارضة، عبارة عن نهاية الصهيونية، متسائلةً إذا ما كان الجمهور يتأثر بصفارات الإنذار المتتالية، أم بات معتاداً عليها، كما اعتاد على تلك الصفارات التي تنذر من خطر الصواريخ بوصفها جزءاً من الروتين المتواصل منذ عامين. ومع ذلك، فإن لبيد يتصرف “بشكل صحيح”، على المستوى السياسي البحت، بتثبيته المعركة ضد بينت، ومن خلال تصعيده الخطاب ضد نتنياهو وحكومته، التي في فترتها دارت أحداث “الكارثة الكُبرى” في تاريخ إسرائيل.

وفي المحصلة، فإن الحملة الانتخابية لحزب “هناك مستقبل” انطلقت بالفعل، حتى لو لم يُعلن تاريخ الانتخابات بعد، وخلال ذلك، يضع لبيد نفسه بمكانة المسؤول السياسي القادر على تشكيل حكومة، على أساس فكرة حكومة التغيير، محذراً من إعادة سيناريو “سرقة أصوات”. وخلف كلماته الكبيرة، بحسب الصحيفة، تدور معركة بقاء وتناحر على المقاعد داخل المعسكر المعارض، ومعركة ضد بينت، الذي ربما يكون الخصم الحقيقي الأبرز له في جولة الانتخابات المقبلة.