سجلت أسعار المساكن في بريطانيا انخفاضاً غير متوقع في آب/آب مع استمرار الضغوط على القدرة الشرائية للمشترين بسبب ارتفاع تكاليف الرهن العقاري وتوقعات بزيادات ضريبية جديدة. وقالت شركة نيشن وايد للتمويل العقاري، أمس الاثنين، إن متوسط سعر المنزل تراجع بنسبة 0.1% على أساس شهري إلى 271.079 جنيهاً إسترلينياً (367 ألف دولار)، مقارنة بزيادة معدلة قدرها 0.5% في تموز/تموز. وارتفعت الأسعار بنسبة 2.1% سنوياً، وهو أدنى معدل نمو منذ أكثر من عام. وكان خبراء اقتصاد استطلعت رويترز آراءهم قد توقعوا ارتفاعاً شهرياً نسبته 0.2% وسنوياً بنحو 2.8%.
وقال كبير الاقتصاديين في نيشن وايد، روبرت غاردنر، إنّ الأسعار لا تزال مرتفعة قياساً بالدخول، ما يجعل جمع الدفعة الأولى تحدياً كبيراً للمشترين المحتملين، وأضاف أن أقساط الرهن العقاري تستهلك الآن نحو 35% من دخل الأسر مقابل متوسط تاريخي عند 30%، في وقت ما زالت فيه تكاليف المعيشة تضغط على ميزانيات الأسر. ورغم أن بنك إنكلترا المركزي خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار ربع نقطة مئوية في آب إلى 4% (وهو أدنى مستوى منذ آذار/آذار 2023) فإنّ متوسط سعر الرهن الثابت لعامين استقر عند 4.96%، بينما بلغ متوسط الرهن لخمس سنوات 5% وفق بيانات مؤسسة Moneyfacts المتخصصة في جمع وتحليل بيانات المنتجات المالية.
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن موافقات الرهن العقاري ارتفعت إلى 65.352 قرضاً في تموز، وهو أعلى مستوى في ستة أشهر، ما يشير إلى وجود طلب كامن رغم التحديات. لكن محللين حذروا من أن خطط وزير الخزانة رايتشل ريفز لفرض ضرائب إضافية محتملة على مبيعات المنازل التي تتجاوز قيمتها 500 ألف جنيه قد تبطئ النشاط، خاصة في لندن وجنوب شرق البلاد.
ويرى خبراء في “بلومبيرغ إيكونوميكس” أن الانخفاض الشهري في الأسعار يعكس تعافياً هشاً للسوق العقارية بعد زيادة الضرائب في الربيع، مشيرين إلى أن الضبابية الاقتصادية والتضخم المرتفع الذي بلغ 3.8% في تموز (مع توقع بلوغه 4% في أيلول/أيلول) قد يضعف فرص استقرار الأسعار على المدى القريب.
وانعكست هذه التطورات سلباً على شركات البناء والتطوير العقاري. فقد أظهرت بيانات اتحاد بناة المنازل أن عدد المشروعات السكنية الجديدة تراجع بنسبة 12% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. فيما حذرت شركات كبرى مثل Persimmon وBarratt Developments من تراجع أرباحها وخفض استثماراتها إذا استمرت أوضاع السوق على حالها، مشيرة إلى أن ضعف الطلب يجبرها على مراجعة خططها التوسعية. وقال محللون في بنك HSBC إن أي استمرار في تباطؤ المبيعات سيجبر هذه الشركات على خفض استثماراتها في مشروعات الإسكان الجديدة، وهو ما قد يؤدي إلى فجوة عرض إضافية في السوق على المدى المتوسط.
وأشار خبراء الإسكان إلى أن تراجع الأسعار قد يفتح نافذة محدودة أمام المشترين الجدد الذين خرجوا من السوق في السنوات الماضية، لكن استمرار فجوة الدخل وارتفاع الإيجارات يحدان من قدرة الكثيرين على الاستفادة من هذا التراجع المؤقت. وتشير بيانات الوكالة الأوروبية للإحصاءات (يوروستات) إلى أن بريطانيا ليست وحدها في مواجهة تباطؤ سوق العقارات، إذ سجلت أسعار المنازل في منطقة اليورو انخفاضاً بنسبة 1.1% في الربع الثاني من العام، متأثرة بارتفاع تكاليف التمويل وتباطؤ النمو الاقتصادي. غير أنّ المحللين يرون أن السوق البريطانية أكثر هشاشة بسبب اعتمادها المفرط على التمويل بالرهون العقارية قصيرة الأجل مقارنة بدول مثل فرنسا وألمانيا.