ليبيا: البعثة الأممية تدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد العسكري في طرابلس

دعت البعثة الأممية في ليبيا جميع الأطراف إلى وقف التصعيد في طرابلس، محذرة من مغبة تجدد الاشتباكات المسلحة فيها وخطرها على حياة المدنيين. جاء ذلك في بيان للبعثة، في أولى ساعات صباح اليوم الثلاثاء، أعربت فيه عن “انزعاجها البالغ إزاء التقارير التي تفيد بتصاعد التوترات واستمرار التعبئة العسكرية التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهات مسلحة”.

وحذر البيان من أن أي صراع جديد لن يهدد أمن طرابلس فحسب، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى في البلاد، مما سيؤدي إلى حرب الجميع خاسر فيها، وتعريض حياة المدنيين لخطر جسيم.

وحثت البعثة في بيانها جميع الأطراف في العاصمة طرابلس على “وقف أشكال التصعيد كافة والامتناع على الفور عن أية أعمال من شأنها تعريض المدنيين للخطر”، مؤكدة مواصلة دعمها لجهود الوساطة، وأنها عرضت “مساعيها الحميدة للانخراط بشكل مباشر في المفاوضات تحت رعاية المجلس الرئاسي”، داعية الأطراف كافة إلى “اغتنام هذه الفرصة لحل الخلافات بالحوار وبعيدا عن العنف”.

وجاء بيان البعثة على خلفية استمرار التحشيدات العسكرية القادمة من خارج طرابلس إليها، وسط توتر أمني عال منذ الخميس الماضي، بالتزامن مع استمرار المفاوضات برعاية المجلس الرئاسي وبالتنسيق مع البعثة بين قوات حكومة الوحدة الوطنية وقادة جهاز الردع.

وكانت مصادر ليبية مطلعة قد أفادت في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد” بتقدم أحرزه اجتماع بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، السبت الماضي، بحضور عدد من القيادات العسكرية، في التوصل إلى “خطوط عريضة لتهدئة التصعيد والتوتر الذي تشهد العاصمة طرابلس منذ أيام”، مشيرة إلى أن الاجتماع ناقش شروط الحكومة الخاصة بوضع جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي، وأنه انتهى إلى وضع خطوط عريضة “لهيكلة كل التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس؛ بما يتوافق مع التشريعات الليبية والمعايير الدولية”.

وذكرت المصادر نفسها أن جهاز الردع لا يزال يتحفظ على تسليم كامل المؤسسات التي تقع تحت سيطرته، باستثناء سجن معيتيقة، الذي وافق على تسليمه لوزارة العدل، فيما اشترط الموافقة على بقية الشروط تعميم تطبيقها على كل التشكيلات المسلحة الأخرى المنضوية تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع.

جهاز الردع لا يزال يتحفظ على تسليم كامل المؤسسات التي تقع تحت سيطرته

وتنطلق الحكومة في موقفها ضد جهاز الردع من مشروعها الذي سبق وأن أعلنته منتصف أيار/ أيار الماضي تحت شعار “استعادة سلطان الدولة”، والذي تهدف من خلاله إلى إخضاع جميع التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس لسلطتها المباشرة وضمان تسليم المؤسسات الحيوية للدولة، بما فيها المطار والميناء وسجن معيتيقة، ما جعل جهاز الردع، الذي يسيطر على هذه المؤسسات بمعزل عن الحكومة، في قلب الخلاف معها، بسبب تحفظاته على التخلي عن هذه المؤسسات التي تشكل أوراق قوته الاستراتيجية.

ومنذ بداية التحشيد العسكري، الخميس الماضي، يعيش سكان طرابلس على وقع احتقان وتوتر أمني شديد، وسط تزايد الأبناء عن تحرك محتمل لقوات الحكومة نحو قاعدة معيتيقة شمال المدينة، المعقل الرئيسي لجهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي. وفي غضون هذه التحشيدات أصدر أهالي تاجوراء بيانا رفضوا فيه أن تكون منطقتهم ممراً للقوات المسلحة، محذرين من أن تمركز أي قوة بينهم يعد اعتداء على سكانهم، في حين أصدر أهالي سوق الجمعة بيانا أعلنوا فيه تضامنهم مع تاجوراء ورفضوا إشعال فتيل الحرب في العاصمة، داعين البعثة الأممية إلى التدخل وإيجاد حلول عاجلة تحول دون انزلاق المدينة نحو مواجهة مسلحة جديدة.

وسبق وأن أصدرت البعثة بيانا يوم السبت الماضي، أشادت فيه بـ”تقدم أحرزته المحادثات المتعلقة بالترتيبات الأمنية في طرابلس”، مشيرة إلى أن الحوار يشمل لجنة الهدنة ولجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية، وقد أحرز تقدماً في عدد من القضايا التي تهم حكومة الوحدة الوطنية، لكنها حذرت من أن استمرار حشد القوات والأسلحة الثقيلة حول العاصمة يمثل “تطورا خطيرا”، وأن أي عمل ينطوي على استخدام القوة، سواء عن قصد أو غير قصد، قد يؤدي إلى مواجهات عنيفة.

وتعود جذور التوتر الراهن إلى مواجهات مسلحة اندلعت منتصف أيار الماضي بين قوات الحكومة وقوة جهاز الردع، بعد يوم من تمكن قوات الحكومة من الإطاحة بجهاز دعم الاستقرار في منطقة أبوسليم وسط العاصمة، إلا أن المواجهة مع الردع لم تنته بالحسم لصالح الحكومة، التي أعلنت بعد ساعات من القتال عن وقف إطلاق النار، في حين واصل الدبيبة توجيه اتهامات لجهاز الردع، واصفا إياه بـ”المليشيا الخارجة عن القانون” و”دولة داخل الدولة”، مؤكدا ضرورة حلها لاستعادة الدولة سيادتها على مؤسساتها الاستراتيجية.

ويعد جهاز الردع ثاني أكبر قوة مسلحة في العاصمة، إلى جانب قوة جهاز دعم الاستقرار السابقة، ويشرف وفق الصلاحيات المعلنة على تنفيذ الأحكام القضائية وإجراءات الاعتقال في السجون الخاضعة له، لكن تقارير خبراء الأمم المتحدة كشفت عن مآذارته لانتهاكات واسعة بحق السجناء داخل معاقله.

كما صدرت مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق قائد قوة الشرطة القضائية التابعة للجهاز، أسامة نجيم، في كانون الثاني/ كانون الثاني الماضي، بتهم تتعلق بانتهاكات واسعة في السجون. وبالإضافة لقوة الردع تتنفذ في العاصمة العديد من القوى المسلحة، إلا أن أبرزها تتبع وزارتي الداخلية والدفاع بالحكومة، مثل اللواء 444 واللواء 111 التابعين لوزارة الدفاع، وقوة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية.