في ظل سعي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لتحسين الأوضاع الاقتصادية في اليمن ومحاولة خفض أسعار السلع بالتوازي مع النجاح في تحسين سعر الريال اليمني بنحو 50% من قيمته، فإنها في المقابل تواجه ضغوطاً سياسية لتشديد الموقف تجاه الحوثيين وتوحيد الرؤى بين الأفرقاء ضمن جناح الشرعية، مع بروز طروحات حول تشكيل سلطة جديدة، حتى تتمكن الحكومة من إحراز تقدم في الإصلاحات المطلوبة للذهاب نحو استقرار اقتصادي وسياسي في البلاد.
لقاءات حول اليمن
وبرزت خلال الأسابيع الماضية اللقاءات التي جمعت مسؤولين يمنيين مع آخرين من الولايات المتحدة وبريطانيا في أكثر من عاصمة، ويبرز ملفان أساسيان عاملاً مشتركاً في مجمل هذه اللقاءات، وهما ملف الحوثيين والملف الاقتصادي. ففي الرياض عقد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الذي قل ظهوره بعد مغادرته عدن، لقاء الأربعاء الماضي مع السفيرة البريطانية لدى اليمن عبدة شريف، التي تقوم بلقاءات مكثفة وجولات بين الرياض وعدن وأبوظبي تشمل قيادات المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة سالم صالح بن بريك فضلاً عن وزراء ومسؤولين آخرين.
وخلال اللقاء، أكد العليمي على برنامج الإصلاح الاقتصادي وخطة التعافي الذي تقوم بها الحكومة والبنك المركزي. كما ركز العليمي، وفق وكالة سبأ بنسختها التي تديرها الحكومة، على ما سماها التهديدات المستمرة التي تمثلها مليشيات الحوثي على السلم والأمن الدوليين، بدعم وثيق من إيران، بما في ذلك تزايد المخاطر المترتبة على استمرار تدفق السلاح الإيراني إلى المليشيات الإرهابية، حسب وصفه، مشيراً إلى أن “التهديدات الأمنية المتزايدة للأمن والسلم الدوليين من التخادم الحوثي الصريح مع التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك حركة الشباب الصومالية، فضلاً عن استمرار المليشيات في استخدام الاقتصاد، والتحويلات المصرفية أداة حرب ضد اليمنيين”. وأضاف أن “هذه التحركات تستدعي تحركاً دولياً أكثر صرامة، بما في ذلك توسيع العقوبات على المليشيات الحوثية”، مؤكداً أن المليشيات الحوثية “باتت حالة ميؤوسا منها لتكون شريكا جادا لصناعة السلام، وأن تشديد الضغوط عليها هو الخيار السلمي الأكثر واقعية لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة”.
طالب العليمي بتحرك دولي أكثر صرامة، بما في ذلك توسيع العقوبات على المليشيات الحوثية
وفي السياق، أكد رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك، في تصريح له، أن حكومته تقود معركة مزدوجة معركة مع التحديات الاقتصادية ومعركة وجود مع ما سماه مشروع الحوثي الإرهابي. وأكدت مصادر حكومية لـ”العربي الجديد” أن بن بريك وخلال زيارته قبل نحو أسبوعين إلى عمّان، عقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين ووفد من وزارة الخزانة والمخابرات الأميركية، ناقش خلالها ملفي الاقتصاد والحوثيين، وعلاقة الملفين ببعضهما، والخطوات والإجراءات الحكومية الأخيرة، تحديداً في ما يخص التزام الحكومة اليمنية والمؤسسات والشركات والبنوك التجارية، بالإجراءات والعقوبات الأميركية. وبحسب المصادر، عُلم من خلال اللقاءات أن لدى الخزانة الأميركية ولجنة العقوبات قائمة جديدة من الأسماء قد تطاولها العقوبات الدولية والأميركية سواء ضمن جماعة الحوثيين، من أشخاص ومؤسسات تجارية وبنوك، أو حتى شخصيات في المناطق المحررة من الحوثيين ممن يتعاملون مع هؤلاء، ويسهّلون لهم بعض الصفقات التجارية، أو حتى ممن هم في صفوف الحكومة ولكن يعيقون الخطوات والإجراءات الحكومية، ومنهم قياديون في المجلس الرئاسي ومسؤولون حكوميون وقيادات سياسية وشركات صرافة وبنوك ومؤسسات وشركات ومجموعات تجارية، تحت مجموعة من التهم بينها غسل الأموال والتسبب في تفاقم الأوضاع الإنسانية، والتلاعب بالعملة الوطنية، ودعم الإرهاب، والمساعدة وتسهيل التهريب للحوثيين. وشهدت الرياض أيضاً لقاءات بين سفيري الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والمسؤولين والقيادات اليمنية والدول المانحة الأخرى ومكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ ناقشت الإجراءات الإصلاحية الحكومية الأخيرة.
وعلمت “العربي الجديد” أن اللقاءات بين مسؤولين من الشرعية مع سفراء دول مجموعة الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات) المعنية بالشأن اليمني ركزت في الآونة الأخيرة على سبل إنهاء الحرب وتوحيد المواقف والرؤية فيما يخص مستقبل السلام في اليمن والموقف من جماعة الحوثيين، وكيفية التعامل معها خلال الفترة الماضية. وعلى ضوء هذه اللقاءات المكثفة، تطرح العديد من المقترحات حول مستقبل اليمن والحكم، ومن ضمنها تشكيل سلطة جديدة من خلال حل المجلس الرئاسي وانتخاب رئيس ونائبين، وهناك ضغوط في هذا الإطار مع وجود أفكار تطرح عن مهلة تمنح للمجلس الحالي لتوحيد الموقف خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، حتى تتمكن الحكومة من إحراز تقدم في الإصلاحات الجارية للذهاب نحو استقرار اقتصادي وسياسي في البلاد.
تشديد الحصار على الحوثيين؟
وعن ذلك، قال رئيس موقع “مراقبون برس” ماجد الداعري، لـ”العربي الجديد”، إن هذه اللقاءات تأتي ضمن بداية مرحلة وطنية جديدة عنوانها الإنعاش الاقتصادي للدولة على حساب تشديد قبضة الحصار الاقتصادي والعسكري على المليشيات الحوثية لدفعها نحو السلام أو الحسم العسكري. وأضاف الداعري أن “التوجّه الدولي حالياً نحو دعم جهود الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على كافة المستويات اقتصادياً وعسكرياً حتى تكون قادرة على مجاراة الحوثيين بل والتغلب عليهم اقتصادياً، من خلال تشديد الحصار الدولي على الحوثيين وفرض حصار على الموانئ التابعة لهم، ومنع تدفق الأسلحة والمشتقات النفطية إليهم بكل الطرق من قبل من الجانب الأميركي وكل الجهات الدولية المعنية، باعتبارهم مصنفين جماعة إرهابية، وعلى اعتبار أن استمرارهم في مهاجمة السفن في البحر وإعاقة الملاحة الدولية يمثل خطراً على الأمن والسلام”. وتابع: “يأتي هذا التوجه لتجفيف المنابع والمصادر المالية التي تغذي الحوثيين بالأموال بعدما استطاعوا أن يكونوا خلال السنوات الماضية إحدى أكبر الإمبراطوريات المالية في المنطقة، وبالتالي لا يمكن مواجهتهم عسكرياً في ظل هذه الأموال والقدرات التي تتدفق إليهم، لأن وجود أموال يعني وجود أسلحة، وبالتالي تشكيل خطر على الدول الإقليمية والمجتمع الدولي والملاحة الدولية”. كما أشار إلى أن هذه اللقاءات تهدف أيضاً إلى “وقف التحويلات المالية بعد نقل البنوك إلى عدن وحرمان الحوثيين من الوصول إلى نظام سويفت العالمي للتحويلات وعزلهم عن النظام العالمي”. وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الحراك يأتي “تمهيداً لمعركة عسكرية إذا لم ينصع الحوثيون للقرارات الدولية والإرادة الدولية والجلوس على طاولة الحوار”.
ماجد الداعري: هذه اللقاءات ضمن مرحلة جديدة عنوانها الإنعاش الاقتصادي للدولة على حساب تشديد قبضة الحصار على الحوثيين
لكن الصحافي اليمني عبد الخالق الحود قال لـ”العربي الجديد”، إن ما يجري الترتيب له، وتحديداً ضمن مساعي البعثة الأممية في اليمن، هو عبارة عن مشروع اتفاق بين الأفرقاء في اليمن متعلق بالشق الاقتصادي من خطة السلام الأممية الشاملة، مضيفاً أن هذا الاتفاق يتضمن أربع نقاط رئيسية. هي أولاً السماح للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بإعادة تصدير النفط والغاز مقابل دفع رواتب الموظفين اليمنيين في كل المحافظات من قبل البنك المركزي في عدن. مع العلم أن الحوثيين لم يوافقوا بعد على هذا التوجه اذ كانوا يصرون على تحويل الإيرادات إلى صنعاء. ومن بين الترتيبات الأخرى السماح بتدفق المساعدات والوقود إلى مناطق سيطرة الحوثيين بدون قيود، فضلاً عن فتح خمس وجهات جديدة لطائرات اليمنية التي ستستأنف رحلاتها مجدداً عبر مطار صنعاء، ومن هذه الوجهات المقترحة الكويت والقاهرة ونيودلهي، وستتولى الأمم المتحدة تذليل الصعاب التي قد تعترض تنفيذ هذه النقطة مع الدول المعنية، على حد قوله. مع العلم أنه لا يوجد ضمانات بعدم تعرض الطائرات لقصف إسرائيلي ما قد يؤدي إلى خسارة إضافية تطاول أسطول الطائرات اليمنية المحدود أساساً. ولا يوجد أي معلومات حول كيفية معالجة هذه النقطة، وما إذا كانت الحكومة اليمنية قد توافق على هذا الخيار.
كما من ضمن الترتيبات، في حال تم المضي بها، تنفيذ عملية شاملة لتبادل الأسرى والبالغ عددهم نحو 15 ألف أسير من الطرفين.
وأكد الحود أن مشروع الاتفاق هذا هو تنفيذ للمطالب التي قدّمها الحوثيون مراراً مقابل انخراطهم في أي تسوية سياسية مقبلة، فضلاً عن الاتفاق الذي كان مقرراً التوقيع عليه قبل أحداث 7 تشرين الأول/تشرين الأول 2023 (اتفاق لم ير النور بسبب الحرب في غزة، وجرت محاولات إنعاشه وتحديثه في اتفاق جديد في 2024). كما يتضمن مشروع الاتفاق إشارة إلى أن باقي الملفات العالقة وتحديداً الملف السياسي وشكل الدولة وقضية الجنوب سيجري ترحيلها والتفاوض بشأنها لاحقاً بين اليمنيين أنفسهم وبرعاية أممية من دون تحديد أي مواعيد مسبقة. وأشار إلى أن هناك نقاطاً عالقة تؤخر تنفيذ مشروع الاتفاق بشقه الاقتصادي، بينها مقترح أممي بتوحيد العملة (يوجد اختلاف كبير في سعر صرف العملات بين عدن وصنعاء) وقضايا إجرائية أخرى سيتم حلها من خلال فريق خبراء دولي اقتصادي متخصص سيتولى الإشراف على تطبيق هذه النقاط.