يبدي الشاب المغربي محمد المغراوي (29 سنة) الذي يعاني من اضطرابات إدراكية، غضبه من قلة فرص العمل التي تجعله “عالة” على أسرته. ويقول لـ”العربي الجديد” إنه لم يفلح بالعثور على وظيفة تمنحه الاستقلال المادي وتؤمن احتياجاته اليومية، مؤكداً أن تخصيص نسبة 7% لذوي الاحتياجات الخاصة في وظائف المؤسسات العمومية، ليس كافياً، كون هذه النسبة لا تغطي الشريحة الكبيرة من هذه الفئة. ويؤكد أنه لا يلمس أي أثر إيجابي للسياسات والبرامج الحكومية لجهة ضمان حقوقه الأساسية، مثل الحق بالرعاية الصحية والعمل والإدماج الاجتماعي.
يأتي ذلك، في وقت قررت فيه المجموعة الوطنية للأشخاص في وضعية إعاقة، التصعيد من جديد، حيث أطلقت مطلع أيلول/ أيلول الجاري، حملة مناصرة دفاعاً عن الحقوق المشروعة والعادلة للأشخاص في وضعية إعاقة، وفي مقدمتها الحق بالتشغيل المباشر.
وبحسب بيان المجموعة، تشمل المطالب تفعيل بطاقة الشخص في وضعية إعاقة بكامل حقوقها، وضمان تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية تفعيلاً لمقتضيات دستور المملكة المغربية لعام 2011. واعتبرت المجموعة أن حملتها “ليست مجرد خطوة رمزية”، إنما نضال مفتوح ومستمر لحين الاستجابة الشاملة لكل مطالبها.
وتطالب منظمات عديدة معنية بالأشخاص ذوي الإعاقة في المغرب، السلطات الحكومية بمنح تلك الشريحة حقها بفرص العمل، واحترام القوانين المتعلقة بدمجهم في الوظائف العمومية، ومراعاة المكفوفين في مسابقات التوظيف، إلى جانب تفعيل بطاقة ذوي الإعاقة، ومجانية استخدامهم وسائل النقل العام التي تربط بين المدن، وتزويد القطارات بمقاعد خاصة بهم أو تخصيص قاطرات كاملة لهم، والبحث عن معايير علمية عملية لتفعيل استخدام تلك الوسائل.
وبحسب نتائج البحث الوطني حول الإعاقة الذي أعلنته وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في إبريل/ نيسان 2016، فإن معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة خفيفة، يُقدر بنحو 47%، والعدد يتجاوز 290 ألف شخص، في حين بلغ معدل البطالة بصفوف الأشخاص في وضعية إعاقة متوسطة إلى عميقة، 67,75%.
ورغم نصّ القانون المغربي على تخصيص نسبة 7% من مجمل مناصب القطاع العام، واعتماد المباراة الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة آلية لولوج الوظيفة العمومية، فإن نسبة البطالة في صفوف الأشخاص ذوي الإعاقة أعلى أربع مرات من المعدل الوطني، بحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة الأبحاث الحكومية). ووفق الرأي الاستشاري الذي قدمه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (حكومي) بشأن تعليم الأطفال في وضعية إعاقة في 23 أيار/ أيار 2019، فإن معدل تشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة الذين يُعتبرون في سنّ النشاط، لا يتعدى 13,6% (83 ألفاً من أصل 612 ألفاً)، في حين، تقتصر نسبة تشغيل النساء منهم على 9% فقط. وتصل نسبة تشغيلهم في الوسط القروي إلى 16,5%، وفي الوسط الحضري إلى 11,3%.
ويُعد سوق العمل بالنسبة لهذه الفئة من أبرز المجالات التي تكرّس “التمييز والإقصاء والمعاناة”، وهو ما تؤكده البطالة المرتفعة في صفوف هذه الفئة والتي تتجاوز المعدلات الوطنية بأشواط، وفق العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية)، والتي كشفت في 3 كانون الأول/ كانون الأول 2024، بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، أنه “على الرغم من وجود قوانين تُلزم المؤسسات بتشغيل نسبة معينة من الأشخاص في وضعية إعاقة، فإن هذه القوانين لا تجد طريقها نحو التطبيق الفعلي، خصوصاً وسط افتقار الدولة سياسات واضحة وفعالة تساهم في إدماج هذه الفئة بسوق العمل، سواء من خلال التكوين المهني أو عبر دعم المقاولات”.
ويقول رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية) محمد رشيد الشريعي، لـ”العربي الجديد”، إن خوض معركة نضالية دفاعاً عن الحقوق المشروعة والعادلة للأشخاص في وضعية إعاقة، وفي مقدمتها الحق بالتشغيل المباشر، يُعد مناسبة لمناشدة الحكومة المغربية فتح نقاش وحوار جاد ومسؤول مع هذه الفئة، سعياً لمنحهم حقهم بالإدماج في الوظيفة العمومية وفق “كوتا” متفق عليها مع كل الأطراف المعنية. ويؤكد الشريعي أهمية ترسيخ كل الحقوق التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية لهذه الفئة، بعيداً عن التفرّد بقرارات غير صائبة. ويطالب بحلول جذرية للمعضلات المتعلقة بالوضع الحقوقي في المغرب، وبالتالي طي صفحة الأزمات والتردّي.
في المقابل، تؤكد السلطات المغربية التزامها بتعزيز حقوق هذه الشريحة، انطلاقاً من دستور المملكة الذي يكرّس مبدأ المساواة، ويحظر أشكال التمييز كافة، ويُلزم بوضع سياسات عمومية دامجة. وكذلك من خلال القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، والذي يشكل المرجع الوطني في هذا المجال، وفق ما أكده الكاتب العام لوزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، عادل غمارت، خلال الدورة الـ18 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي عُقدت في حزيران/ حزيران الماضي.
وعلى مستوى دعم الأشخاص المعوقين، يوضح المسؤول المغربي أن عدد المستفيدين من خدمات صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي بلغ أكثر من 1.2 مليون شخص بين عامَي 2015 و2025، في مجالات تشمل التعليم، والتمكين الاقتصادي، والدعم التقني. وعلى مستوى التشغيل، يقول: “جرى إقرار نظام الحصص (كوتا) بنسبة 7% في الوظيفة العمومية للأشخاص في وضعية إعاقة، والحكومة تنكبّ حالياً على إرساء آلية للكوتا في القطاع الخاص”.