في وقت تتصاعد الشكاوى من تزايد كميات الأدوية منتهية الصلاحية في الصيدليات، يدقّ نقيب صيادلة لبنان جو سلّوم ناقوس الخطر، ويدين بشدّة امتناع وكلاء الأدوية عن استرجاع تلك الأدوية في حديث لـ”العربي الجديد”، واصفاً الأزمة المستجدّة بأنّها أشبه بـ”قنبلة موقوتة تُهدّد حياة المرضى”. وفي هذا الإطار، أصدرت نقابة صيادلة لبنان بياناً، اليوم الاثنين، حذّر فيه سلّوم من أنّ “الدواء منتهي الصلاحية لا يقلّ خطورة عن الدواء المزوّر”، وأنّ امتناع شركات ومصانع عن استرجاعه وتلفه في خارج لبنان يؤدّي إلى “إغراق الصيدليات” به، ولا سيّما أنّه يُمنَع على الصيادلة “رميه أو تلفه في أيّ مكان”، نظراً إلى الخطورة التي يمثّلها على البيئة والسلامة العامة.
وتكثر في الآونة الأخيرة شكاوى المواطنين في لبنان إزاء شراء أدوية من الصيدليات، يتبيّن أنّها إمّا منتهية الصلاحية وإمّا شارفت مدّة صلاحيتها على الانتهاء، إذ لم يتبقَّ لها سوى أشهرٍ قليلة وأحياناً شهر واحد على أبعد تقدير، مع العلم أنّ المشترين قليلاً ما يتحقّقون بأنفسهم من تواريخ الصلاحية، إذ إنّ الصيدليات مصدر موثوق بالنسبة إليهم.
وتجري العادة في لبنان أن يشتري المريض أكثر من علبة واحدة من الدواء الذي يتناوله، خصوصاً في ظلّ مخاوف من انقطاع محتمل. فما عاشه المواطنون من أزمة أدوية مفقودة في أثناء الانهيار المالي بالبلاد، بدءاً من أواخر عام 2019، يجعلهم يشعرون بالقلق. بالتالي يعمدون إلى تخزين الأدوية التي يحتاجون إليها في علاجهم، لكنّ ذلك قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى رمي كميات منها، إذ قد تنتهي مدّة صلاحيتها قبل استهلاكها.
ويشكو صيادلة كثيرون من عدم تجاوب وكلاء الأدوية معهم عند طلبهم استرجاع دواء منتهي الصلاحية، إذ إنّ تلفه ليس من صلاحيات الأوائل. ويتذرّع الوكلاء، في رفضهم التجاوب، بقرار صادر عن وزير الصحة العامة السابق فراس الأبيض في هذا الشأن، علماً أنّ عدداً كبيراً من الصيادلة في المقابل عمد خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان إلى تخزين الأدوية المدعومة لبيعها بأسعار أعلى عند رفع الدعم عنها.
تطبيق القانون ضرورة
ويقول نقيب صيادلة لبنان جو سلّوم، في حديثه إلى “العربي الجديد”، إنّ “شركات عديدة امتنعت، منذ عام 2022، عن استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، في حين أنّه يجب عليها الالتزام بتطبيق قانون مزاولة مهنة الصيدلة الذي ينصّ على استرجاع كلّ الأدوية منتهية الصلاحية حفاظاً على حياة المرضى وترحيلها إلى خارج لبنان من أجل تلفها”. ويؤكد سلّوم أنّ “الصيادلة عانوا من هذه المسألة، ووجدوا أنفسهم، مرّات عدّة، ضحية عدم استرجاع الوكلاء الأدوية منتهية الصلاحية، وذلك في إنفاذ قرار صدر عن وزير الصحة العامة السابق القاضي بمنع استرداد الأدوية، على الرغم من أنّه مناقض للقانون المذكور أعلاه”. ويشدّد نقيب الصيادلة على أنّه “لم يعد بإمكان الوكلاء الامتناع عن ذلك، اليوم، خصوصاً بعد صدور قرار مجلس شورى الدولة في كانون الثاني/ كانون الثاني 2025 بالدعوى التي تقدّمنا بها ضدّ الوزارة وربحناها. بالتالي صار لزاماً عليهم تطبيق ما ينصّ عليه قانون مزاولة مهنة الصيدلة، والحلّ الوحيد اليوم هو بتطبيق القانون ومندرجاته كافة”.
ويلفت سلّوم إلى أنّ “الشكاوى الأساسية تصل من الصيادلة، فالمخاوف موجودة حتماً (ومشروعة) من حصول أخطاء غير متعمّدة، في حال بيع دواء منتهي الصلاحية، الأمر الذي يعرّض حياة المرضى للخطر (وسلامتهم)، إذ قد يؤدّي إلى مضاعفات خطرة، ولا سيّما في حال مرّت مدّة طويلة على انتهاء مدّة صلاحيته”. يُذكر أنّ خطر الدواء منتهي الصلاحية يكمن في أنّ المادة الفاعلة فيه تفقد فعاليتها، بالتالي لا يعود قادراً على توفير العلاج اللازم.
ويشرح سلّوم أنّه “يجب على الوكلاء أو الشركات، في العادة، استرجاع الأدوية عندما يقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها من ثلاثة أشهر، وذلك بعد أن يبلغ الصيدلي الوكيل أو المصنّع بذلك حتى يسحبا الدواء المعني ويسترجعاه”. وينفي سلّوم “وجود أيّ علاقة لتخزين الأدوية يوم كان الدعم قائماً عليها بمسألة الأدوية منتهية الصلاحية، خصوصاً أنّ الدواء المدعوم كان يُهرَّب إلى الخارج أكثر ممّا كان يُخزَّن في الصيدليات على الأراضي اللبنانية”، مشدّداً على أنّ “الأزمة (الراهنة) مرتبطة بعدم استرداد الأدوية، وبالتالي ببقائها على الرفوف”.
في المقابل، ردّت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان على بيان نقابة الصيادلة، وأفادت بأنّ “آلية استرجاع الأدوية تُطبَّق من جانب أعضائها وفقاً لأصول واضحة ومنظّمة وشفّافة، وبما ينسجم مع الواجبات المهنية المتّفق عليها. وفي حال وُجد أيّ خلل أو التباس في التطبيق، فإنّ مكان معالجته الطبيعي هو الحوار بين النقابتَين، بروح التعاون والتفاهم المعهودة، لا عبر المنابر الإعلامية وخلق التباسات لدى الرأي العام”. وأوضحت النقابة موقفها من “ملف المرتجعات الدوائية”، مبيّنةً أنّه “ملفّ تجاري بحت”، وشدّدت على أنّ “إثارة هذا الموضوع عبر الإعلام، في وقت إنّه قيد النقاش الجاد والمباشر حالياً بين نقابة الصيادلة ونقابتنا بإشراف وزارة الصحة العامة، لا تخدم الهدف المنشود، بل تفتح الباب أمام تأويلات غير دقيقة”. وجدّدت التأكيد أنّ “الموضوع تجاري، ولا يجوز تحت أيّ ظرف إعطاؤه بُعداً دوائيّاً أو أمنيّاً أو تصويره أزمة صحية”.
وذكرت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان أنّه “لا يجوز لأيّ صيدلي أن يبيع دواءً منتهي الصلاحية، بل عليه عزله عن الأدوية المصروفة وفقاً للأصول”، مشيرةً إلى أنّ “آلية إرجاع الأدوية منتهية الصلاحية موجودة ومعروفة لجميع الصيادلة، وهي تشمل أصنافاً محدّدة بكميّات منطقية، ويجري تطبيقها بشكل متوازن منذ سنوات”. وتساءلت النقابة، في بيانها نفسه، عن “خلفيّة طرح هذا الملف اليوم بالذات، في وقت تُبذَل جهود مشتركة لإيجاد حلول مسؤولة، وتحديداً بعدما تبيّن خلال الأشهر الماضية أنّ بعض الصيدليات التي كانت تشتكي من انقطاع الأدوية خلال اشتداد الأزمة في السنوات الماضية تطلب إرجاع كميات منتهية الصلاحية تعود إلى تلك الفترة المأزومة تحديداً. وهذا الواقع يطرح علامات استفهام حول حصول تخزين غير مبرّر للأدوية، أو عدم صرفها للمرضى في الوقت المناسب، على الرغم من الحاجة الملحّة إليها”.
وأعادت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات، في بيانها اليوم، التشديد على “التزامها بمواصلة الحوار مع نقابة الصيادلة، واستعدادها لاسترجاع الأدوية منتهية الصلاحية وفقاً لآلية منطقيّة ومتوازنة، تأخذ في الاعتبار الكميات الفعلية والبيانات الواقعية”، مضيفةً أنّ “الشركات المستوردة لا تتهرّب من مسؤولياتها، لكنّها ترفض اعتماد أيّ مقاربة غير منطقية تُبرّر الهدر، سواء أكان هدراً في الأموال المرصودة لشراء أدوية جديدة أم هدراً في الموارد غير المصروفة أصلاً على الدواء”. وتابعت أنّ “هذا الملف لا يمتّ بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى أزمة الدواء في لبنان، بل يتعلّق حصراً بترتيبات مالية وتوزيعية بين المستوردين والصيادلة، ولا يجوز تحميله أبعاداً أخرى خارجة عن سياقه”.