أيجوز لناقدٍ كتابة أكثر من مقالة عن فيلمٍ واحد؟

 

تساؤلان مشروعان: أيجوز لناقدٍ كتابة مقالتين عن فيلمٍ واحد، لنشرهما في وسيلتين؟ كيف يُمكن لناقدٍ كتابة المقالتين، إنْ يُتابع يوميات دورة جديدة لمهرجانٍ سينمائي، تكون فيه عروض الصحافة وغيرها مُكثّفة وضاغطة؟

لا يُشكِّك التساؤلان في نزاهة نقّاد سينمائيين عرب، عددهم قليلٌ أصلاً، يجهدون في مشاهدة أكبر عددٍ ممكن من الأفلام في كلّ دورة، ويحضرون مؤتمرات صحافية، ويتابعون أخباراً وأحداثاً لتغطية ما يرتأونه مناسباً لتغطيته. لكنّ طرحهما مشروعٌ، فخارج المهرجانات، يتمكّن ناقدٌ من كتابة مقالتين (أو ربما أكثر) عن فيلمٍ واحد، خاصة أنّ هناك أفلاماً تحثّ على كتابة كهذه، وبعضها دافعٌ إلى مزيدٍ من تفكير وتحليل ومعاينة. مقالة واحدة غير كافية ربما لقول ما يُراد قوله، إذْ يُفترض بحجمها ألا يكون طويلاً، إنْ تُنشر في مطبوعة ورقية أو في موقع إلكتروني، فصِغَر الحجم (وتكثيف مضمونه قدر المستطاع، بدلاً من الثرثرة والإطالة، أساسيّ ومطلوب بإلحاح) ربما يحرّض على القراءة.

شخصياً، يندر أنْ أكتب أكثر من مقالة واحدة عن فيلمٍ واحد، إذْ أحاول غالباً أنْ أُضمِّنها ما أودّ التعبير عنه، وهذا كافٍ لي، مع أنّ أفلاماً كثيرة تُثير حماسة كتابة مقالتين على الأقلّ، وبعض تلك الأفلام قديمٌ إنتاجها، والمُشاهدة الجديدة تدفع إلى إعادة تفكير وتأمّل، وتُنبِّه إلى غير المُتنبَّه إليه سابقاً. أمّا في المهرجانات، فأجمع أحياناً أفلاماً عدّة، بينها مشتركات، في مقالة واحدة، ولاحقاً أجد صعوبة في الكتابة مجدّداً عن كلّ واحد منها على حدة.

أمثلةٌ على ذلك؟ “الفكّ المفترس (Jaws)”، لستيفن سبيلبيرغ، المحتَفَل بمرور 50 عاماً على أول عرضٍ تجاري له (20 حزيران/حزيران 1975). أو “العرّاب 3” (1990)، لفرنسيس فورد كوبولا، المعروض تلفزيونياً بشكلٍ متكرِّر، كما النسخة الثانية منه، بعنوان “العرّاب كودا: موت مايكل كورليوني” (يُعرض تلفزيونياً هذه الأيام)، لكوبولا نفسه، المنجز بمناسبة مرور 30 عاماً على الأصل. لمفردة Coda معانٍ، منها: المقطع الأخير من مقطوعة موسيقية كلاسيكية أو حركة راقصة، وعلامة تسمح باستبدال عبارة مُعلّقة بأخرى ختامية. هذا حاضرٌ في تغييرات، أبرزها البداية والتوليف، فمشاهِد منه مُعادٌ توليفها، وإشارات موسيقية. ألا يستدعي هذا كلّه إعادة مشاهدة، وإعادة تأمّل وتفكير و… كتابة؟

لا خطأ ولا صواب. من يكتب أكثر من مقالة، لنشرها في أكثر من وسيلة، ربما يمتلك ما لا يُقال في واحدة. كما أنّه يعمل في أكثر من وسيلة، فالوضع الاقتصادي الحياتي، في مدن عربية كثيرة، حافزٌ على العمل أكثر. الأهمّ ألا تسقط المقالتان، أو أكثر منهما، في تكرارٍ واستنساخ، فهذا غير لائق في أخلاقيات المهنة، وفي نزاهة الناقد. ما يفعله نقّاد سينمائيون عرب، وعددهم قليل أصلاً، يؤكّد أنّ الكتابة المذكورة مرتكزة على نزاهةٍ وعدم تكرار (غالباً)، وعلى رغبةٍ في عمل إضافي.

أمّا “موقف” كل وسيلةٍ في هذا، فعائدٌ إلى مسؤولي التحرير.