المقاطعة الجزائرية للبضائع الفرنسية… البحث عن بدائل

تُجاري المقاطعة حدة استعار الأجواء المشحونة بين الجزائر وباريس وبرود العلاقات السياسية والدبلوماسية، حيث بدأت تظهر انعكاسات ذات أبعاد اقتصادية وتجارية، إذ شنّت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لمقاطعة المنتجات الفرنسية المتداولة في السوق الجزائرية. هذه الخطوات تأخذ أبعاداً غير رسمية تُضاف إلى تلك التي تعمل عليها السلطات الجزائرية، وإن كانت بطريقة غير معلنة، من خلال تعويض المنتجات الفرنسية في تموين السوق المحلية بسلع وبضائع من وجهات ومصادر أخرى، في إطار عمليات الاستيراد المقرّرة، بينما تلجأ الجزائر إلى تنويع شركائها في توفير مختلف المواد، حتى تلك التي كانت سابقاً تقتصر “تاريخياً” على فرنسا كالقمح.

وتتزامن هذه الحملات مع اختفاء ملحوظ للعلامات والمنتجات الفرنسية في السوق الجزائرية، أبرزها المواد الغذائية التي لاقت في وقت سابق رواجاً لدى للمستهلك المحلي، على الرغم من أنّ بعضها أصبح ينتج محلياً رغم محافظته على اسم العلامة الأم، على غرار زبادي “دانون” وحليب “كانديا”، التي دخلت سوق البلاد منذ سنوات عدّة ونافست المنتوج المحلي، لا سيّما ما يعرف بـ”حليب الأكياس” المدعم من الدولة.

وانفتاح الجزائر اقتصادياً على العديد من الخيارات الأخرى من جهة، وتفاقم الأزمة السياسية بين قصر الإليزيه وقصر المرادية (إقامة رئاسة جمهورية الجزائر بالعاصمة) من الجهة المقابلة، أدى إلى تراجع كبير لتوفّر العلامات الفرنسية بالجزائر، ولعلّ آخرها المواد الغذائية كالأجبان، المعلبات، وأنواع من الشكولاتة والبسكويت، التي أضحت تنافَس بقوة من منتوج محلي بنفس مستوى الجودة أو أفضل وبأسعار أرخص.

بدائل المقاطعة متاحة… وفرنسا خاسرة

قال الخبير في الشأن الاقتصادي الدكتور سليمان ناصر، إنّ نحو 450 شركة فرنسية تعمل في الجزائر في العديد من المجالات، أبرزها مجال البناء، والأشغال العمومية، والصناعة والأجهزة الكهرومنزلية، وكذا قطاع غيار السيارات. وأوضح أنّ في كل هذه القطاعات تملك الجزائر بدائل منها في الإنتاج المحلي، أو عبر شراكات مع شركات أجنبية أخرى تقدم نفس الخدمات، وبالتالي فإنّ هذه المقاطعة ممكنة من الناحية العملية، دون التسبب في تذبذب في السوق المحلية.

وأشار ناصر، في حديثه مع “العربي الجديد”، إلى تأثير هذه النوع المقاطعة على الشركات والاقتصاد الفرنسي، مستدلاً بالإحصائيات التي تؤكد تراجع الوجود الفرنسي باستمرار منذ بداية الأزمة، خاصة بانخراط رجال الأعمال الجزائريين مع هذا التوجه، ورفضه طريقة تعامل الطرف الفرنسي بالمقارنة مع الشركاء الآخرين، بصرف النظر عن الخيار المتخذ من السلطات على الصعيد الرسمي، بدليل تراجع حجم المبادلات التجارية بين البلدين من 12 مليار دولار إلى عشرة مليارات في بضعة أشهر، منها حوالى ستة مليارات صادرات الجزائر (معظمها من المحروقات)، وأربعة مليارات دولار صادرات فرنسية نحو الجزائر.

منافسة في الجو أيضاً

هذه المنافسة انتقلت أيضاً إلى شركات النقل الجوي للبلدين، اللذين تربطهما حركة ملاحة مكثّفة بالنظر إلى العدد الكبير من الجالية والمهاجرين الجزائريين في فرنسا، فقد كشفت شركة “آ أس أل” للخطوط الجوية الفرنسية مؤخراً عن برنامج رحلاتها لموسم الشتاء 2025-2026، الذي تميّز بزيادة قدرها 7% في عدد المقاعد المعروضة مقارنة بالشتاء السابق، ما يعكس تصميم الشركة على تعزيز حضورها في السوق شديدة التنافسية للرحلات الجوية بين فرنسا والجزائر.

وعليه اعتباراً من 26 تشرين الأول/ تشرين الأول 2025، ستقدم شركة عرضاً كثيفاً ومنتظماً للمدن الجزائرية الرئيسية، من خلال رحلات نحو مدن جزائرية عدّة كعنابة، بجاية، قسنطينة، وهران، سطيف، تلمسان، مع رحلات مغادرة من المطارين الباريسيَين بالإضافة إلى العديد من المناطق الفرنسية.

وتشكل هذه الاستراتيجية جزءاً من سياق المنافسة المتزايدة، وإلى جانب الخطوط الجوية الفرنسية، التي تقوم بتشغيل ما يصل إلى 48 رحلة أسبوعية إلى الجزائر ووهران ووجهات جزائرية أخرى من مراكزها مثل باريس أو مرسيليا أو تولوز، تظل الخطوط الجوية الجزائرية لاعباً رئيسياً، مهيمناً تاريخياً على هذا الطريق. وعلاوة على ذلك، أدى وصول وتطور شركات الطيران منخفضة التكلفة مثل ترانسافيا (التابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية) وفولوتيا إلى إحداث تغيير جذري في المشهد من خلال تقديم أسعار تنافسية، وبالتالي تحفيز الطلب على مدار العام، وتسعى الخطوط الجوية الجزائرية إلى التعامل معه، من خلال مجموعة من الحلول على غرار العروض التخفيضية والترويجية وتحسين جودة الخدمات المقترحة. وتثبت التجارب التاريخية أن علاقات الجانبين شهدت توترات مستمرة، وتعكس مقاطعة المنتجات الأخيرة استمرار عمق الخلافات السياسية والاقتصادية.