تتواصل، اليوم الاثنين، في مدينة تيانجين الصينية أعمال قمة منظمة شنغهاي للتعاون وسط حضور استثنائي يضم أكثر من 20 زعيم دولة، ما يجعلها الأكبر منذ تأسيس المنظمة عام 2001، ويمنحها وزناً سياسياً واقتصادياً غير مسبوق على الساحة الدولية. ويعكس انعقاد القمة في هذا التوقيت الحرج سعي دول الشرق، وفي مقدّمتها الصين وروسيا، إلى صياغة بدائل عملية للنظام المالي والاقتصادي العالمي الذي ظلّ طوال عقود خاضعاً للهيمنة الغربية، سواء عبر هيمنة الدولار أو عبر مؤسسات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
اللافت في قمة شنغهاي لهذا العام كان مشاركة الهند بتمثيل رفيع بعد غياب استمر سبع سنوات، إذ جلس رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى طاولة المباحثات في تيانجين جنباً إلى جنب مع الرئيسَين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، في مشهد عكس براغماتية السياسة الهندية في لحظة إقليمية ودولية دقيقة. وأثارت عودة الهند المفاجئة اهتمام المراقبين؛ لأنها جاءت رغم استمرار الخلافات الحدودية مع بكين منذ اشتباكات وادي جالوان عام 2020، ورغم تحفظ نيودلهي سابقاً على الانخراط في قمم تستضيفها الصين، إلّا أن السياق الدولي الراهن، المتمثل في تصاعد الحرب التجارية الأميركية – الصينية وتشديد العقوبات الغربية على روسيا، دفع الهند إلى إعادة النظر في سياسة المقاطعة، واختيار الانخراط المباشر مع الجارين الكبيرين عبر منصة متعدّدة الأطراف توفر لها فرصاً اقتصادية يصعب تجاهلها، بحسب موقع “إيكونوميك تايمز” الهندي.
اجتماع صيني هندي
وعُقد الاجتماع الثنائي بعد خمسة أيام من فرض واشنطن رسوماً جمركية 50% على البضائع الهندية بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي. ويقول محلّلون، وفق رويترز، إنّ شي ومودي يسعيان لتشكيل جبهة موحّدة ضد الضغوط الغربية. وعقد الزعيمان اجتماعاً في روسيا العام الماضي بعد التوصل إلى اتفاق لتسيير دوريات على الحدود. ووافقت الصين على رفع القيود المفروضة على تصدير المواد الأرضية النادرة والأسمدة وآلات حفر الأنفاق هذا الشهر خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الهند. وتحتاج الهند، التي تسعى لترسيخ موقعها بوصفها أحد أسرع الاقتصادات نمواً عالمياً، إلى تأمين تدفقات مستقرة من الطاقة والموارد الأولية، خصوصاً المعادن النادرة التي تهيمن الصين على أكثر من 70% من إنتاجها وتكريرها.
وركز الاجتماع الثنائي بين مودي وشي على هذا الملف، مع بحث ترتيبات تتيح للهند الحصول على حصص مضمونة من تلك المعادن الحيوية لصناعات الإلكترونيات والسيارات الكهربائية. وفي المقابل، أبدت نيودلهي استعداداً لتوسيع التعاون التجاري، لكنها حرصت على ألّا يُفسر ذلك باعتباره اصطفافاً كاملاً وراء مشروع “النظام المالي الموازي” الذي تدفع إليه بكين وموسكو، وفق “إيكونوميك تايمز”، كما لا تعني مشاركة الهند في قمة شنغهاي هذا العام تحولها إلى جزء من المحور الصيني – الروسي، بحسب رويترز، فهي ما زالت متمسكة بتحالفاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وتسعى إلى إبراز نفسها قوةَ توازن قادرة على الاستفادة من جميع الأطراف دون الانخراط في اصطفافات مغلقة.
أهداف بكين وموسكو
الملفات الاقتصادية على طاولة قمة شنغهاي لا تتوقف عند العملات والتجارة، فهناك حديث موسّع عن سلاسل التوريد التي تعرضت لاضطرابات كبيرة بسبب جائحة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وأخيراً الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. وتسعى الصين عبر “الحزام والطريق” إلى تقديم مشروعات بنية تحتية مشتركة، من سكك حديد وموانئ ومراكز لوجستية، لربط اقتصادات المنظمة في شبكة قادرة على تقليل الاعتمادية على الغرب. بينما تدفع روسيا باتجاه شراكات في قطاع الطاقة، عبر عقود طويلة الأجل للنفط والغاز مع الهند وباكستان وإيران، مستفيدة من تعطّش تلك الاقتصادات لمصادر طاقة بأسعار تنافسية بعيداً عن الأسواق الأوروبية التي باتت مغلقة نسبياً أمام موسكو. وما يلفت الانتباه هذا العام دخول ملف التكنولوجيا إلى قلب أجندة المنظمة، فقد أطلقت الصين خلال القمة مبادرة لتعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، فيما جذب الأنظار ظهور روبوت بشري يدعى “Xiao He” في المركز الإعلامي ليقدم خدمات الترجمة والمعلومات للصحافيين، كرمز لتحول المنظمة من إطار أمني إلى منصة “دبلوماسية رقمية”. ويعكس هذا البعد التقني إدراك بكين أنّ المعركة الاقتصادية المقبلة ليست حول النفط والغاز فحسب، بل حول من يضع معايير الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية التي ستحدّد شكل الاقتصاد العالمي في العقدين المقبلين.
الزعماء المشاركون
شهدت قمة شنغهاي للتعاون هذا العام حضوراً غير مسبوق لأكثر من 20 زعيم دولة، منهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف. وشارك في القمة أيضاً رؤساء دول آسيا الوسطى، منهم رئيس كازاخستان كاسيم-جومارت توكاييف، ورئيس قيرغيزستان سادير جاباروف، ورئيس طاجيكستان إيمومالي رحمن، ورئيس أوزبكستان تشافكات ميرضيييف، إضافة إلى رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، كما حضر عدد من قادة الدول بصفة مراقب أو شريك في الحوار، منهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس وزراء إقليم المالديف محمد مويناز، ورئيس وزراء نيبال كي بي شارما أولي، ورئيس وزراء كمبوديا هونغ مانيت، ورئيس أرمينيا نيكول باشينيان، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، ورئيس إندونيسيا برابوو سوبيا نتو، ورئيس ميانمار مين أونغ هلاينغ. بالإضافة إلى ذلك، حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وعدد من رؤساء مؤسسات دولية إقليمية مثل رؤساء منظمة الأمن الجماعي، وآسيان، واليونسكو، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.