مرضى يلقون حتفهم بانتظار الدواء والعلاج في تونس

تتواصل مأساة المصابين بالأمراض المزمنة والسرطان في تونس نتيجة نقص الأدوية أو تأخر العلاج، وسط مطالبات بوقف الحلول الترقيعية لإنقاذ الآلاف من موت محتّم أو أقلّه من تدهور كبير في صحتهم وجودة حياتهم.

قبل أسابيع من وفاته، نشر طالب الهندسة التونسي حسين عبودي مقطع فيديو عبر صفحته على “فيسبوك”، ناشد فيه الصندوق الوطني للتأمين على المرض في تونس الإسراع بالموافقة على تلقيه العلاج الكيميائي لإنقاذ حياته من مرض السرطان. لكن الموت كان أسرع، رحل الشاب العشريني واسمه لا يزال على قائمة الانتظار.

مأساة عبودي ليست الأولى من نوعها في تونس أخيراً، إذ تزامن إعلان وفاته مع حالة مماثلة لشاب توفي دون أن يتمكن من استكمال العلاج بسبب نقص الدواء. وأثارت حادثتا الوفاة امتعاض التونسيين الذين حمّلوا السلطات مسؤولية التقصير، وطالبوا بحلول جذرية لإنهاء معاناة آلاف المرضى الذين ينتظرون طويلاً للحصول على موافقات العلاج والأدوية الخاصة، ما يؤدي لتأزم أوضاعهم الصحية أو وفاتهم.

لم تنكر وزارة الصحة التونسية وجود نقص بالأدوية، مؤكدة في بيان لها أن “الأزمة ظرفية”، ودعت الأطباء والصيادلة إلى “الاستناد للبيانات الوطنية بوصف الأدوية وترشيد الوصفات، مع توعية المواطنين بكفاءة استخدامها”. وأعلنت الوزارة عن حزمة إجراءات قالت إنها ستضمن استمرارية تأمين الأدوية الأساسية وتفادي فقدان الأدوية، وستكفل حق المواطن بالحصول على الدواء، من بينها تركيز منصة إنذار مبكر بالصيدلية المركزية للتبليغ عن أي خطر نفاد، وإلزام مصنّعي الأدوية بالتصريح المنتظم عن مخزونهم لتجنّب النفاد الفجائي.

الصورة

يشكو التونسيون من تردّي الخدمات الصحية، تونس، 5 أيار 2017 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

يشكو التونسيون من تردّي الخدمات الصحية في البلاد، 5 أيار 2017 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

ويرى كاتب عام مساعد النقابة الوطنية لأصحاب الصيدليات الخاصة في تونس أيمن الخليفي أن إجراءات الوزارة إيجابية لتجنب انقطاع الدواء، وقد تساعد على حوكمة التصرف بمخزون الأدوية لدى الصيدلية المركزية بالتعاون مع مصنّعي الأدوية المحليين، غير أنها قد لا تشكل حلاً جذرياً للأزمة، ما يحتّم على السلطات معالجة أصل الداء لتحسين موارد الصيدلية المركزية”، وفق قوله لـ”العربي الجديد”، ويكشف أن أزمة الأدوية تتفاقم بسبب الصعوبات المالية التي تعاني منها الصناديق الاجتماعية التي يُفترض أن توفر السيولة الكافية للصيدلية المركزية عبر الاقتطاعات من أجور المساهمين تحت عنوان “التأمين على المرض”.

وبشأن أدوية علاج مرض السرطان، يوضح الخليفي أن الأدوية الخاصة التي تستوردها الصيدلية المركزية في تونس حصرياً تُصرف بأغلبها عبر شبكة المصحات التابعة لصناديق الضمان الاجتماعي، في حين لا يتم توفير سوى نسبة محدودة منها عبر الصيدليات. ويضيف: “يبقى توفر هذه الأدوية رهن توفر الإمكانيات لتوريدها وتسديد فواتير المختبرات المصنّعة. لذلك يجب على الصيدلية المركزية السعي لتعزيز سيولتها وتخفيف الضغط عن مواردها، حتى تتمكن من استيراد أدوية متجددة، لا سيما تلك التي تُصرف لمرضى السرطان وبعض الأمراض الخطيرة، والتي يزيد الطلب عليها سنوياً نتيجة ارتفاع عدد الحالات”.

ولا تُعد أزمة فقدان الدواء وطول فترة انتظار مرضى السرطان في تونس أمراً مستجداً، إذ حاولت الحكومات المتعاقبة على مدى نحو عشر سنوات توفير السيولة الكافية للصيدلية المركزية، غير أن الأزمة تتفاقم سنوياً وتنعكس سلباً على المصابين بالأمراض السرطانية والمزمنة وعلى عائلاتهم التي تضطر إلى تكبد كلفة العلاج.

وتحصي وزارة الصحة سنوياً ارتفاعاً بالآلاف في عدد المصابين الجُدد بمرض السرطان، حيث قدّرت عددهم عام 2023 بأكثر من 18.700. وفي وقت سابق، كشف الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية شكري حمودة أن كلفة شراء الأدوية تضاعفت نحو عشر مرات، حيث ارتفعت من 30 مليون دينار تونسي (نحو عشرة ملايين دولار أميركي) عام 2021 إلى 300 مليون دينار (نحو 105 ملايين دولار) عام 2024، ما دفع إلى اتخاذ إجراءات لترشيد النفقات وتحسين الصرف المالي، عبر تعديل أسعار الأدوية المستوردة التي لها بدائل محلية، بهدف دعم الصناعة الوطنية وضمان استدامة الأدوية.

وتُدافع منظمات مدنية عن حقوق التونسيين بالوصول إلى العلاج، مطالبة بحلول جذرية لأزمة فقدان الأدوية أو تأخر صرفها، والتي تتسبب بوفاة المرضى. ويقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن أزمة الدواء تعكس أزمة الخدمات العامة وانهيار الخدمات الصحية، ويؤكد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن السلطة غالباً ما تختار الحلول الترقيعية السهلة مع تجدد أزمة الدواء، ما يطيل أمد الأزمة ويسجل المزيد من ضحايا قوائم الانتظار.

ويرى بن عمر أن الصناديق الاجتماعية في تونس لم تعد قادرة على مواكبة التطورات الصحية وتغطية الحاجات الحقيقية، مشدداً على ضرورة المراجعة الشاملة لأنظمة التأمين على المرض والتغطية الاجتماعية لضمان وصول المواطنين لحق الصحة الدستوري. يُذكر أنّ الصناديق الضامنة، المسؤولة عن توفير التغطية الصحية ورواتب المتقاعدين، تعاني من أزمة هيكلية حادّة تهدد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.