لم يكن خروج المنتخب المحلي السوداني من نصف نهائي بطولة كأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين أمام مدغشقر إخفاقاً، بقدر ما كان إنجازاً يُحسب للكرة السودانية، التي تشهد طفرة نوعية، رغم الظروف الصعبة للبلد، الذي يعاني ويلات النزاع العسكري منذ سنوات، إذ جاء هذا الإنجاز امتداداً لتأهل المنتخب الأول إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا المقبلة في المغرب، وكذلك المشوار الطيب في تصفيات كأس العالم 2026، الذي قد يفضي إلى تأهل تاريخي عن المجموعة الثانية، إذ يحتل المركز الثاني مع السنغال، بفارق نقطة واحدة عن الأول، منتخب جمهورية الكونغو، بفضل جيل متميز من اللاعبين المحليين والمحترفين خارج البلد، الذين يحملون راية الكرة السودانية، ويسعون لتحقيق آمال جماهير عاشقة للكرة ولألوان منتخبها.
وأسعد منتخب السودان للمحليين جماهير بلاده، بفوزه التاريخي على نيجيريا برباعية، في مستهل دور المجموعات، الذي تسيّده رغم وجود حامل اللقب، المنتخب السنغالي، ما فتح له أبواب ربع النهائي، الذي أطاح فيه المنتخب الجزائري بركلات الترجيح، قبل أن يخرج من نصف النهائي أمام مدغشقر، بعد مباراة كبيرة انتهت بفوز المنافس بهدف دون رد، خلال الوقت الإضافي، كشف فيها السودانيون عن روح قتالية كبيرة، ومهارات عالية يتميز بها الجيل الحالي من اللاعبين، الذين ينتمي بعضهم إلى المنتخب الأول، ويملكون خبرة المنافسات القارية مع فريقي الهلال والمريخ في دوري أبطال أفريقيا وكأس الكونفيدرالية، وتحدوهم الرغبة في صناعة التاريخ بتحقيق تتويج قاري، والتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026.
وتفاعل مشجعو المنتخب السوداني للمحليين مع المردود والنتائج المحققة في دورة 2025، ويتفاءلون خيراً بالمنتخب الأول المقبل نهاية الأسبوع الجاري على مواجهة مهمة في داكار ضد المنتخب السنغالي، ضمن الجولة السابعة من تصفيات كأس العالم 2026 المؤهلة إلى مونديال أميركا وكندا والمكسيك، التي لعب فيها ست مباريات، دون أن يتعرض لأي خسارة، حقق فيها ثلاثة انتصارات وثلاثة تعادلات، وأبلى فيها البلاء الحسن لمنافسيه، وفتح لجماهيره أبواب الطموح والأمل في التأهل إلى المونديال لأول مرة في التاريخ، رغم عراقة الكرة السودانية، التي تعتبر من مؤسسي الاتحاد الأفريقي لكرة القدم إلى جانب مصر وإثيوبيا، دون أن تتمكن من بلوغ نهائيات كأس العالم.
وبعد بلوغ نصف نهائي “الشان”، في مشاركته الثالثة من أصل أربع في النهائيات، قد تكون سنة 2025 موعداً لتحقيق الإنجاز الكبير بالتأهل إلى المونديال، وبعدها التألق في نهائيات كأس أمم أفريقيا المقررة في المغرب نهاية هذا العام، ضمن مجموعة الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، رغم أزمة الدوري السوداني، الذي توقف لموسمين متتاليين بسبب الحرب، ما دفع فريقي الهلال والمريخ إلى المشاركة في الدوري الموريتاني استثنائياً، قبل أن تعود عجلة الدوري المحلي إلى الدوران بداية هذا الموسم في السودان، وسط أجواء الحرب القاتلة، الممزوجة بمشاعر الفرح في أوساط الجماهير السودانية، بعودة الحرارة والدفء إلى مختلف الملاعب، وإلى نفوس السودانيين وقلوبهم المفعمة بحبهم لبلدهم وتعلقهم بتحقيق الإنجاز الكروي، الذي يساهم في الحفاظ على اللُّحمة الوطنية وسط الظروف الصعبة.
وساهم استقرار الطاقم الفني بقيادة الغاني جيمس كواسي أبياه، الذي يقود المنتخبين، الأول والمحلي معاً، كثيراً في تطوير منظومة اللعب، وتحسين مستوى اللاعبين ومردودهم، واستعادة ثقة الجماهير بمنتخبها، الذي وجد دعماً رسمياً وشعبياً لم يسبق له مثيل، على أمل أن يُكلل بأحد الإنجازات الكروية الكبيرة التي تساهم في إعادة بعث الروح للكرة السودانية، التي بلغت مع الجيل الحالي درجة كبيرة من النضج، وبلغت المستوى الذي يسمح لها اليوم بالمنافسة على ورقة التأهل إلى مونديال 2026، وتحقيق نتائج طيبة في نهائيات كأس أمم أفريقيا المقبلة في المغرب، رغم الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد ذو المقومات البشرية والمادية والطبيعية.