تسهيلات الرواتب في ليبيا تصطدم بالانقسام

أطلق مصرف ليبيا المركزي منظومة “راتبك لحظي”، التي تتيح للموظفين الحصول على رواتبهم فور تحويلها إلى حساباتهم المصرفية، مشيراً إلى أنّ العملية تبدأ بإدخال بيانات الموظفين من قبل الجهات الحكومية، ثم إعداد الحوافظ المصرفية من إدارة الميزانية، ليقوم المركزي بمراجعتها واعتمادها قبل تحويل الأموال مباشرة، لكنّ المنظومة اصطدمت بالخلاف بين الحكومتين في شرق ليبيا وغربها.

ويقول المركزي إنّ النظام الجديد تمكن حتى الآن من مطابقة نحو مليوني حساب، على أن تُستكمل بقية الحسابات تدريجيًا، مؤكدًا أنه سيقضي على المرتبات الوهمية ويسرّع عمليات التحويل ويؤسس قاعدة بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها. إلا أن ديوان المحاسبة الموازي، حذر في مذكرة رسمية موجهة إلى مجلس النواب من “المخاطر القانونية والإدارية والفنية” للمنظومة، معتبرًا أنها “تتجاوز اختصاصات السلطات المالية وتخالف قانون النظام المالي للدولة، وقد تؤدي إلى هدر المال العام وفقدان السيطرة على بند المرتبات الذي يمثل أكثر من 45% من الإنفاق العام”.

ويضع المحلل الاقتصادي حسين البوعيشي علامات استفهام حول جدوى المنظومة في ظل الانقسام المؤسسي، قائلًا لـ”العربي الجديد”: “التحويل الرقمي للمرتبات لا يمكن أن ينجح من دون مرجعية موحدة، بينما تعلن كل حكومة عن ربط موظفيها بالمنظومة بشكل منفصل، مما يفاقم مشكلة التضارب بدل حلها”. ويضيف أن “المخاوف لا تتعلق فقط بالجانب التقني، بل بالشفافية أيضاً”، مشيراً إلى أن تجارب سابقة مثل “منظومة الرقم الوطني” أو أنظمة الدفع الإلكتروني “لم تحظَ بثقة واسعة بسبب الأعطال المتكررة وضعف المتابعة الرقابية”، محذراً من أن تكون “راتبك لحظي” مجرد واجهة تقنية “تخفي المشكلات نفسها”.

من جانبه، يرى الخبير المصرفي معتز هويدي أن التحدي الأكبر يكمن في “ضعف البنية المصرفية، خصوصاً في المدن البعيدة عن العاصمة”، لافتاً إلى أن “المنظومة قد تنجح في طرابلس أو بنغازي، لكنها ستتعثر في مناطق مثل الجنوب حيث الإنترنت ضعيف والخدمات المصرفية محدودة”.

أما الخبير الاقتصادي طارق الرماني، فيرى أن المنظومة “قد تشكل نقطة تحول في ضبط الميزانية العامة”، إذ تساعد في “بناء قاعدة بيانات دقيقة حول حجم العمالة في القطاع العام”. لكنه يلفت إلى أن “التجربة تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية للتقليل من التوظيف غير الضروري، وإلا ستبقى مجرد أداة تقنية تدير أزمة متفاقمة بدل حلها”.

في العاصمة، يقول سامي الخويلدي، موظف بوزارة التعليم: “لم أصدق عيني عندما رأيت راتبي في الحساب فورًا. هذه أول مرة أشعر أن الدولة تستخدم التكنولوجيا لصالحنا”. لكن في مدينة مزدة (187 كلم جنوب طرابلس) تبدو الصورة مختلفة. يروي علي عبد العزيز، موظف بقطاع الصحة: “استغرقت أكثر من أسبوعين لفتح حساب جديد بسبب انقطاع الإنترنت وضعف البنية المصرفية. حتى الآن لم يصلني راتبي كاملاً”. ويؤكد المحلل المالي محمود سالم أن “التحول الرقمي في الرواتب يوفر للخزانة أموالاً ويقلل من الاقتطاعات غير القانونية” مشدداً على أن ربط المنظومة بالرقم الوطني سيضبط المزدوجين.