يُحيي العالم في 30 آب/ آب اليومَ العالمي للاختفاء القسري، وهو يومٌ يبدو لصيقاً بالمنطقة العربية أكثر من كونه وافداً إليها، نظراً لكثرة حوادث الاختفاء القسري من جهة، ولضعف أو غياب الإمكانيات التي تعنى بمصير المختفين في سجون الأنظمة، سواء في حالات المعارضة السياسية أو في سياق الحروب الأهلية.
يمكن ليوم مثل الاختفاء القسري أن يظهر يوماً يعقبُ انتهاء الحروب، لأنّ الاختطاف والقتل يكون محموماً أثناء الحرب، وهو المآذارة الأكثر انتشاراً في الحروب الأهلية، إلى درجة قد لا يتاح للناس أن يتساءلوا عن مصير ذويهم إلا بعد أن ينتهي الظرف الذي اختفوا فيه، كما في حالة الحرب الأهلية اللبنانية التي خلّفت 17 ألف مفقود، وفي الحالة السورية أيضاً بعد سقوط نظام الأسد، التي ما زالت الأرقام فيها غير محسومة.
الاختفاء القسري، سواء كان بسبب الاعتقال أو الاختطاف أو القتل، هو أسلوب المليشيا، كما هو أسلوب الأنظمة حين تتحوّل إلى سلوك مليشيوي، وهو أيضاً أسلوب المليشيا التي تطمح لأن تصبح دولة. وفي كل الحالات، يبقى مصير المخطوفين في هذه البيئات السياسية معلقاً وغير معروف النهاية.
هذا الغياب يتيح للأدب أن يتدخل ليمنح صوتاً للمفقودين. وقد نجحت الرواية اللبنانية في تناول القضية عبر أدب الحرب الأهلية، فيما عالج الأدب السوري المسألة في إطار أدب السجون.
تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر
في الرواية اللبنانية الحرب هي البطل: حرب المليشيات، والخطف على الهوية، والقنّاص العشوائي. ومن بين النماذج اللافتة رواية ربيع جابر “طيور الهوليدي إن”، التي تفتتح بإعلانات المفقودين، مع تفاصيل أعمارهم وألوان ثيابهم وأرقام الاتصال بذويهم. الرواية، التي تتناول عامي 1975 و1976، تجعل مسألة المفقودين جزءاً عضوياً من يوميات الحرب وحكايات عائلاتهم.
يأتي اختلاف شكل الاختفاء في الرواية السورية بسبب اختلاف سببه، إذ صاغت عقود الاستبداد شكل المصير حتى في الأعمال الأدبية، وهو شكلٌ نراه بصورة اختفاء قسري في أدب السجون بصورة خاصة.
ربما تكون رواية مصطفى خليفة “القوقعة” أكثر الروايات السورية شيوعاً في هذا الموضوع، ونعرف فيها عن شخصية اعتقلت عند عودتها من فرنسا، في مطار دمشق، مِن غير أن تعرف لماذا. ثم نعرف في مراحل من الرواية أن السبب هو انتقاد حافظ الأسد في حفل في فرنسا. الرواية وراء تفاصيل التعذيب فيها، ليست إلا حكاية اختفاء قسري، عملية انتزاع للشخصية من عالمها، ورميها إلى ما يشبه انقطاعاً في الزمن.
تختلف معالجة قضية الاختفاء القسري في الأدب بين بلد عربي وآخر. وربما وضوح الحالتين اللبنانية والسورية، مع طول زمنهما ووقوعهما على فعل جماعي، أتاح الوقوف على الاختفاء القسري كموضوع يلتقي فيه أدب الحرب وأدب السجون. لكن ما زالت حكاية الاختفاء القسري، الفردي، في الأنظمة البوليسيّة، غير مصدّرة روائياً بالصورة التي قد يستطيع الأدب فيها أن يقول كلمته، بأن يعطي صوته لإنسان مُختطف، لإنسان غائب، من غير أن يعرف أحدٌ مصيره.