أعلن مجلس الوزراء في لبنان عقده جلسة بعد ظهر يوم الجمعة المقبل في قصر بعبدا الجمهوري لعرض ومناقشة الخطة التطبيقية لحصر السلاح التي كُلِّف الجيش بوضعها، وذلك بعدما كانت محدّدة يوم الثلاثاء. ويأتي تأجيل الجلسة على وقع خلافات داخلية وانقسامات لا تزال قائمة حول ملف حصر السلاح بيد الدولة على وقع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ومواصلة احتلاله النقاط الخمس جنوباً، والتي تفاقمت بعد تنصّل الجانب الأميركي من تعهّداته بضرورة قيام إسرائيل بخطوة بعد مقرّرات الحكومة التي اتخذت في جلستي 5 و7 آب/ آب الجاري.
وكلّف مجلس الوزراء الجيش اللبناني في جلسة 5 آب بوضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الجاري، في حين أقرّ في جلسته بتاريخ 7 آب أهداف الورقة الأميركية الـ11. وأكدت مصادر عسكرية لـ”العربي الجديد” أن خطة الجيش “باتت شبه جاهزة، وهي معدّة بشكل لا يؤدي إلى صدام ويؤمن الاستقرار والسلم الأهلي”. وتتضمّن المذكرة الأميركية 11 هدفاً، أبرزها تنفيذ لبنان لوثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف، والدستور اللبناني، وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدّمها القرار 1701 لعام 2006، واتخاذ الخطوات الضرورية لبسط سيادته بالكامل على جميع أراضيه، بهدف تعزيز دور المؤسسات الشرعية وتكريس السلطة الحصرية للدولة في اتخاذ قرارات الحرب والسلم، وضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها في جميع أنحاء لبنان.
كما تنص على ضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك جميع الانتهاكات البرية والجوية والبحرية، من خلال خطوات منهجية تؤدي إلى حل دائم وشامل ومضمون، علماً أن سريان الورقة يتطلب أيضاً موافقة كلّ من إسرائيل وسورية عليها. وأكدت قيادة الجيش اللبناني اليوم الجمعة أنّها تنفذ مهماتها “بأعلى درجات المسؤولية والمهنية والحرص على أمن الوطن واستقراره الداخلي، وفق قرار السلطة السياسية، والتزاماً بأداء الواجب مهما بلغت الصعوبات”.
وقال قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل إنّ “الجيش يتحمّل مسؤوليات كبرى على مختلف المستويات، وهو مقبل على مرحلة دقيقة يتولى فيها مهمات حساسة، وسيقوم بالخطوات اللازمة لنجاح مهمته آخذاً في الاعتبار الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار الداخلي”. وأضاف في موقف له اليوم الجمعة: “لقد بذلنا تضحيات جساماً وقدّمنا الشهداء في سبيل واجبنا الوطني، ولن يثنينا شيء عن المضي في تحمُّل مسؤوليتنا في مختلف المناطق وعلى امتداد الحدود”.
وكانت مصادر وزارية قالت لـ”العربي الجديد” اليوم إنّ “جلسة الحكومة لا تزال قائمة، لكن التعقيدات إلى تزايد، وكل شيء وارد حصوله، بما في ذلك التأجيل، بحيث إنّ هناك انقسامات داخل مجلس الوزراء، ومطالبات بضرورة عدم السير بالمقررات التي اتخذت في جلستي 5 و7 آب/آب الجاري، خصوصاً بعد عودة أميركا عن تعهداتها، وعدم تقديم إسرائيل جواباً على الورقة، وعدم تقديم أي ضمانات بوقف الاعتداءات والانسحاب، وبالتالي فإنّ عدم التزام إسرائيل يدفع لبنان بدوره إلى عدم الالتزام أيضاً”.
وأشارت المصادر إلى أن “هذه المواقف عبّر عنها وزراء حزب الله وحركة أمل الممثلين في الحكومة، والذين يصرّون على ضرورة عدم السير بالمقررات طالما أن إسرائيل لم تلتزم بشيء”، موضحة أنه “على الرغم من تمسّك الحكومة بموقفها لناحية حصرية السلاح، لكنها باتت الآن في وضع صعب بعد نتائج جولة الموفد الأميركي توماس برّاك الأخيرة، وهي تدرس كل الخيارات أمامها، بما يضمن مصلحة لبنان ويؤكد على البيان الوزاري وقسم الرئيس جوزاف عون”.
وشددت المصادر على أن “لبنان فعل كل شيء، وبدأ بشكل جدي مسار حصر السلاح بيد الدولة، سواء السلاح المرتبط بحزب الله في جنوب نهر الليطاني، والعمليات المشتركة التي تحصل بين الجيش اللبناني واليونيفيل في هذا الإطار، وكذلك على صعيد السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، ورأينا أمس واحدة من أكبر عمليات سحب السلاح، وستستكمل في المرحلة المقبلة، في حين أن إسرائيل لم تفعل شيئاً، بل تواصل اعتداءاتها وخروقاتها اليومية للاتفاق”.
وجرى أمس الخميس تسليم دفعات من السلاح الثقيل العائد إلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي، في صور جنوبي لبنان، ووُضعت جميعها في عهدة الجيش اللبناني، ووُصفت الكمية المسلَّمة بأنها الأكبر منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وذلك بعدما كانت انطلاقة المرحلة الأولى من مخيم برج البراجنة قد تعرّضت لانتقادات عدّة، بالنظر إلى حجم الشحنة الصغير جداً التي تسلّمها الجيش.
في الأثناء، لفتت المصادر إلى أن “هناك اتصالات تحصل مع الجانبين الأميركي والفرنسي للضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، وتقديم ضمانات للبنان، إذ لا يمكن الاستمرار بمطالبة لبنان بالقيام بخطوات من دون إلزام إسرائيل بشيء، وهي التي تواصل خرقها اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني/تشرين الثاني الماضي، بلا أي تحرك أو ردّ فعل دولي”، مشيرة إلى أنه “هناك مساع داخلية أيضاً لإجراء حوار بين الأفرقاء وفق رغبة رئيس البرلمان نبيه بري، بما يضمن مصلحة لبنان ويحمي الساحة الداخلية، وكذلك الجيش اللبناني”.
ووسط هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى الكلمة التي سيلقيها بري يوم الأحد في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، والتي من المتوقع أن تكون حاسمة قبيل الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء، وتحدّد الخطوات أو الطروحات التي يمكن السير بها، وسط تمسك بري المستمرّ بالتوافق والحوار مدخلاً أساسياً لأي أزمة.