انكمش الاقتصاد الكندي للمرة الأولى منذ نحو عامين، في تطور يعكس حجم الأضرار التي ألحقها التصعيد التجاري مع الولايات المتحدة بالتصدير والاستثمار. ووفق بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء الكندية، اليوم الجمعة، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 1.6% خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو أكبر انكماش يسجله الاقتصاد منذ جائحة كورونا.
وبحسب ما أوردته وكالة بلومبيرغ، جاء الانكماش مدفوعاً بانهيار الصادرات بنسبة 27% على أساس سنوي، نتيجة الرسوم الجمركية الأميركية التي استهدفت سلعاً كندية أساسية مثل الصلب والألمنيوم والسيارات. كما تراجعت الواردات بنسبة 5.1%. أما استثمارات الشركات فانخفضت بشكل حاد بلغ 10.1% بعد نمو طفيف في الربع الأول، في إشارة إلى تفاقم حالة القلق وعدم اليقين لدى المستثمرين تجاه سياسات الإدارة الأميركية المتقلبة.
البيانات المفاجئة دفعت الدولار الكندي إلى أدنى مستوياته خلال الجلسة أمام نظيره الأميركي، حيث بلغ 1.3772 دولار كندي مقابل الدولار الأميركي. في المقابل، ارتفعت أسعار السندات الحكومية مع هبوط العوائد، إذ انخفض العائد على السندات لأجل عامين إلى 2.66%. كما رفع المتعاملون في أسواق المشتقات توقعاتهم لاحتمال خفض سعر الفائدة من بنك كندا في اجتماعه المقبل يوم 17 أيلول/ أيلول، لتقترب التوقعات من نسبة 50%، مقارنة بحوالي 40% قبل صدور البيانات.
ورغم هذه المؤشرات السلبية، أظهرت البيانات بعض نقاط التماسك في الاقتصاد الكندي المنكمش، إذ ارتفع الطلب المحلي النهائي بنسبة 3.5% بدعم من زيادة استهلاك الأسر بنسبة 4.5%، ما يعكس قوة نسبية في الإنفاق رغم تباطؤ نمو الدخل المتاح الذي لم يتجاوز 1.3%، وهو الأضعف منذ أكثر من عامين. كما أظهر قطاع العقارات انتعاشاً لافتاً، إذ ارتفعت الاستثمارات في المساكن بنسبة 6.3% وسط تحسن في بدايات البناء وتعافي السوق العقاري.
وتعود جذور الأزمة إلى بداية عام 2025 حين صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجته التجارية وفرض رسوماً جمركية جديدة على عدد من الواردات الكندية، في خطوة وصفت بأنها “أكبر اختبار” لاتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA). ورغم أن متوسط الرسوم الفعلية المفروضة ما زال في حدود 5 إلى 7%، وهو أدنى بكثير من المعدلات العالمية، فإنها أصابت القطاعات الكندية الموجهة للتصدير في مقتل، وأضعفت ثقة المستثمرين.
ووفقاً لـ”بلومبيرغ”، يرى خبراء أن البيانات الأخيرة تضع ضغوطاً إضافية على صناع السياسة النقدية في كندا لاتخاذ خطوات دعم عاجلة. وقال أندرو غرانثام، الخبير الاقتصادي في بنك CIBC: “الاتجاه الأضعف من المتوقع يعزز توقعاتنا بخفض سعر الفائدة في أيلول، لكن بيانات الوظائف والتضخم القادمة ستكون حاسمة”. وبينما تحاول الحكومة الكندية زيادة إنفاقها العام بنسبة 5.1% لدعم النمو، يبقى التحدي الأساسي هو كيفية التكيّف مع حرب تجارية مفتوحة مع أكبر شريك اقتصادي للبلاد.