منطقة ترامب الاقتصادية جنوبي لبنان بين النيات والأهداف المقنّعة

على وقع استمرار اعتداءات اسرائيل جنوبي لبنان ومواصلتها سياسة التدمير وتهجير سكان القرى الحدودية، في إطار نيّاتها إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح وخالية من السكان، برز إعلان الموفد الأميركي توماس برّاك من بيروت عن اقتراح إنشاء منطقة اقتصادية وكيفية تنفيذها “بطريقة واقعية”، وذلك بعد نزع سلاح حزب الله.

وبعيداً من غطاء العنوان الاقتصادي، تتمسّك أميركا ومن خلفها إسرائيل بفرض واقع أمني ديمغرافي جديد في القرى الحدودية لحفظ أمنها واستقرارها، وإنهاء وجود حزب الله، بما في ذلك بيئته، علماً أنّ لبنان نفذ تعهداته باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي، ويعمل عبر جيشه وقوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) على مصادرة الأسلحة وتفكيك شبكات الأنفاق، وينتظر انسحاب جيش الاحتلال من النقاط التي يحتلها لاستكمال انتشاره، ولم يعد بالتالي الحزب مسيطراً على المنطقة.

وقال برّاك من مقرّ الرئاسة اللبنانية يوم الثلاثاء “بخصوص المنطقة الاقتصادية، كيف يمكن تنفيذها بطريقة واقعية، كيف نحلّ كلّ هذه المسائل من بين المسائل الأخرى.. سأنتقل من أميركا إلى فرنسا، ومنها إلى ألمانيا والسعودية ودول خليجية. ما سينجح هو أمل الازدهار، ويجب أن تكون لدينا أموال والأموال تأتي من الخليج”.

وأضاف: “إذا ما انطلقنا من المجتمع الجنوبي الذي يتخلّى عن حياته ورزقه عندما نقول عن نزع سلاح حزب الله، ماذا ستفعلون بالذين يتلقون أجراً من إيران ومن حزب الله. هل نقول لهم أعطونا سلاحكم واذهبوا لزرع بعض الأشجار؟ لا يساعدنا ذلك”، متابعاً كلامه “علينا أن نتمكن من مساعدتهم جميعاً من أميركا ودول الخليج ولبنان، وسنعمل معاً من خلال خلق وإنشاء صندوق اقتصادي سيؤمن الرزق والحياة، وسيكون موجوداً إذا كانت إيران تريد ذلك أم لا”.

وتختلف الآراء في لبنان، بين من يؤيد هذه الفكرة، بشرط أن تكون بعيدة من أي مصلحة أو أطماعٍ إسرائيلية فيها، باعتبار أنّ المشروع من شأنه أن يساهم في إعادة الإعمار وهي عملية تتطلب مليارات الدولارات في ظل حجم الدمار والشروط الدولية الحازمة بمسألة الدعم، كما يعود للمجتمع الجنوبي بفوائد اقتصادية استثمارية معيشية، وبين من يرفضها بشكل كامل، في ظل عدم ثقته لا بالأجندة الأميركية ولا تلك الإسرائيلية، التي تسعى إلى خلق مشروعها التوسّعي الكبير في المنطقة وستبقى إسرائيل تمثل بالنسبة إلى الجنوبيين تهديداً لهم، وكذلك أميركا التي رفض السكان زيارة مبعوثها برّاك إلى أرضهم.

في الإطار، يقول الكاتب والباحث الاقتصادي علي نور الدين لـ”العربي الجديد” إن الموضوع أبعد بكثير من حسابات الجدوى الاقتصادية، فهو يحمل تهجيراً مقنعاً وسيودي بالبلد إلى مشكل كبير، خصوصاً أن النسيج الاجتماعي الجنوبي لن يقبل به.

ويشير نور الدين إلى أن أي منطقة اقتصادية عادة تكون مرتبطة برؤية اقتصادية كبرى على مستوى البلد ككل، بحيث تحدّد القطاعات حيث الميزة التنافسية، ويجرى العمل على تنميتها وإقامة بنى تحتية لخدمتها، وغيرها من الخطوات التي يمكن أن تكون في الإطار السياحي أو الصناعي أو التجاري، فلكلّ دورها، ومواقعها المرتبطة بها، إذ على سبيل المثال، المنطقة التجارية تكون على مقربة من الموانئ والمطارات النشيطة لتآذار أنشطة الاستيراد والتصدير، وما إلى ذلك حتى تنشأ وتستمرّ وتنجح.

تبعاً لذلك، يعتبر نور الدين أن المطروح اليوم لا يستند إلى رؤية اقتصادية، أو أي خطة بهذا الاتجاه، لا بل هناك أمور تدعو إلى السخرية، فنحن نتحدث عن منطقة اقتصادية على الحدود، بينما لا توجد اتفاقية سلام أو تطبيع مع إسرائيل، لتبرير إنشاء منطقة تجارية مثلاً بين البلدين، وهو ما ينفي أيضاً مبرّر إنشاء منطقة تجهيز للصادرات.

كذلك يقول نور الدين إن لا مقومات حتى لإنشاء هذه المنطقة، فتجارياً لا موانئ ولا مطارات، وصناعياً يتطلّب وجودها مواقع تملك قيمة تنافسية كبيرة، من ناحية البنية التحتية الداعمة للنشاط الصناعي، وغيرها من الشروط المطلوبة، وهذه غائبة أيضاً، ولا تتوفر في مناطق حدودية تُعدّ نائية، مشيراً إلى أن هناك مشاريع قائمة أساساً في لبنان ولم تنفذ بعد، حتى في بيروت أو طرابلس شمالاً، فكيف بمنطقة حدودية فيها توترات أمنية مستمرّة؟

من ناحية ثانية، يشير نور الدين إلى أننا نتحدّث عن عددٍ من القرى حيث إسرائيل موجودة وتقيم مراكز لها وتسيطر على الجو ولا تسمح للأهالي بالعودة، لذلك، الخطير أنه يحكى عن منطقة اقتصادية كبديل عن الانسحاب، وعن منطقة خالية من السكان كبديل عن عودة الأهالي، بالتالي، لسنا أمام مشروع اقتصادي له أفق، بل تهجير وتغيير ديمغرافي يأخذ لوناً وطابعاً اقتصاديين.

ويشدد نور الدين على أن طرح المشروع حتى بالصيغة التي تمّت فيه الكثير من الاستعلاء والاستخفاف بقيمة البشر وحياتهم وكرامتهم ورزقهم وقراهم التي عمرها عقود من الزمن وذات تاريخ طويل، إذ يأتي برّاك ليتحدث عن منطقة ترامب الاقتصادية ومنح الناس فرص عمل ومال، بطريقة فيها استخفاف بالإنسان، مشيراً إلى أن طرح الفكرة وتبريرها مستفزان أكثر من الفكرة نفسها.

من جهته، يقول العميد الركن المتقاعد أنطون مراد لـ”العربي الجديد” إن المنطقة الاقتصادية في الجنوب لها شقان، مادي وأمني، فهناك من جهة استيعاب لأهل الجنوب، وتأمين فرص عمل لهم، وإقامة استثمارات لأبناء الجنوب بحيث يصبح هناك رأس مال على الحدود، ما يضعّف جداً إمكانية الحرب وهو الهدف الذي يسعى اليه الأميركي.

ويشير مراد إلى أن المنطقة الاقتصادية ليس بالضرورة أن تقام مكان المنازل والبيوت، فهناك ملايين الأمتار المربعة التي كانت محرّرة ومهملة ولم يصلها اللبناني إلى الآن وقد تكون أمكنة صالحة للمنطقة الاقتصادية، وفي حال مثلاً وصلنا إلى مرحلة الاستغناء عن قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) يمكن إقامة مصانع في مراكزها وتكون كافية لازدهار الجنوب وتحسين أوضاع الجنوبيين.

في المقابل، يرى مراد أن ما يحصل شكل من أشكال التطبيع، باعتبار أن المنطقة الاقتصادية تقوم على الزراعة بالدرجة الأولى والصناعة الزراعية ثانياً، أي المزروعات ومشتقاتها، وإسرائيل على الحدود وهي غنية جداً بالمزروعات، ما قد يؤدي إلى تشغيل المعامل من زراعات إسرائيلية يوماً ما، وبالتالي قد يكون هذا الهدف الأبعد للموضوع. ويستبعد مراد حصول هذا المشروع حالياً، لأن الانقسام السياسي حادّ جداً في لبنان ونحن حالياً في عنق الزجاجة وذاهبون إلى صدام لا محال، سواء الدولة مع حزب الله أو الدولة وحزب الله مع إسرائيل.