تنتظر لبنان أيام مفصلية قبيل جلسة مجلس الوزراء المقرّرة في الثاني من أيلول/ أيلول المقبل، حيث تتسع رقعة الخلافات الداخلية بشأن قرار الحكومة حصر السلاح، وترتفع دعوات حزب الله وحركة أمل بضرورة العودة عنه، مقابل إصرار الجهات المعارضة للثنائي على المضي قدماً بتنفيذها، وذلك في وقتٍ تتزايد الضغوط الأميركية على المسؤولين اللبنانيين، وقد وصلت إلى حدّ التهديد بنزع سلاح حزب الله بالقوة العسكرية.
وبعد تصعيده في القصر الجمهوري خلال جولة الوفد الأميركي في بيروت، رفع السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، من تل أبيب، أمس الخميس، حدّة خطابه بوجه حزب الله، مؤكداً أنه حان وقت إنهائه، وفي حال لم يُنزَع سلاحه بشكل سلميّ، فيجب النظر في الخطة “ب” أي نزع السلاح بالقوة العسكرية. وتزامن تصريح غراهام أولاً مع إعلان الجيش اللبناني استشهاد ضابط وعسكري وجرح عنصرين آخرين نتيجة انفجار مسيّرة إسرائيلية سقطت في منطقة رأس الناقورة في القطاع الغربي من جنوب لبنان، وذلك خلال الكشف عليها، وكذلك مع تصعيد إسرائيل الغارات جنوباً، وتمسّكها بمواصلة الاعتداءات واحتلال النقاط الخمس لحين نزع سلاح حزب الله، في شروط تبنّتها الولايات المتحدة الأميركية بعد تنصّلها من تعهّداتها تجاه لبنان.
وتشهد الساحة اللبنانية اليوم حراكاً داخلياً واتصالات مفتوحة بين القوى السياسية للبحث عن حلول تجنّب البلاد أي انفجار داخلي، وكذلك تصعيداً إسرائيلياً عسكرياً، خصوصاً أنّ نتائج جولة الموفد الأميركي الأخيرة شكّلت صدمة للمسؤولين اللبنانيين الذين كانوا ينتظرون، وربطاً بوعود السفير توماس برّاك، خطوة إسرائيلية بعد المقرّرات التي اتخذتها الحكومة على صعيد إقرار أهداف الورقة الأميركية الـ11، وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الجاري.
في المقابل، خرق الأجواء السوداوية، أمس الخميس، قرار مجلس الأمن تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) حتى 31 كانون الأول/ كانون الأول 2026، من دون أن يتضمّن أي تعديل على مهامها، بما يتماشى مع مطالب لبنان، وبدعم فرنسي، في حين جدّد المجلس دعوة إسرائيل إلى سحب قواتها من المواقع الخمسة التي لا تزال تحتلها، وأكد ضرورة بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها. في هذا الإطار، تقول مصادر وزارية لـ”العربي الجديد” إنّ “جلسة الحكومة لا تزال قائمة حتى الساعة، لكن التعقيدات إلى تزايد، وكل شيء وارد حصوله، بما في ذلك التأجيل، إذ إنّ هناك انقسامات داخل مجلس الوزراء، ومطالبات بضرورة عدم السير بالمقررات التي اتُخذت في جلستي 5 و7 آب/ آب الحالي، خصوصاً بعد عودة أميركا عن تعهداتها، وعدم تقديم إسرائيل رداً على الورقة، وعدم تقديم أي ضمانات بوقف الاعتداءات والانسحاب، وبالتالي فإنّ عدم التزام إسرائيل يدفع لبنان بدوره إلى عدم الالتزام أيضاً”.
وتشير المصادر إلى أن “هذه المواقف عبّر عنها وزراء حزب الله وحركة أمل الممثلين في الحكومة، الذين يصرّون على ضرورة عدم السير بالمقررات ما دامت إسرائيل لم تلتزم بشيء، وعلى الرغم من تمسّك الحكومة بموقفها لناحية حصرية السلاح، لكنها باتت الآن في وضع صعب بعد نتائج جولة الموفد الأميركي الأخيرة، وهي تدرس كل الخيارات أمامها، بما يضمن مصلحة لبنان، ويؤكد البيان الوزاري وقسم الرئيس جوزاف عون”.
وتشدد المصادر على أن “لبنان فعل كل شيء، وبدأ بشكل جدي مسار حصر السلاح بيد الدولة، سواء السلاح المرتبط بحزب الله في جنوب نهر الليطاني، والعمليات المشتركة التي تحصل بين الجيش اللبناني ويونيفيل في هذا الإطار، وكذلك على صعيد السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، ورأينا أمس واحدة من أكبر عمليات سحب السلاح، وستُستكمل في المرحلة المقبلة، في حين أن إسرائيل لم تفعل شيئاً، لا بل تواصل اعتداءاتها وخروقاتها اليومية للاتفاق”.
وتلفت المصادر إلى أن “هناك اتصالات تحصل مع الجانبين الأميركي والفرنسي للضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، وتقديم ضمانات للبنان، إذ لا يمكن الاستمرار بمطالبة لبنان بالقيام بخطوات من دون إلزام إسرائيل بشيء، وهي التي تواصل خرقها اتفاق وقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني/ تشرين الثاني الماضي، بلا أي تحرك أو ردّ فعل دولي”، مشيرة إلى أن “هناك مساعي داخلية أيضاً لإجراء حوار بين الأفرقاء، وفق رغبة رئيس البرلمان نبيه بري، بما يضمن مصلحة لبنان، ويحمي الساحة الداخلية، وكذلك الجيش اللبناني”.
كذلك، تشير المصادر إلى أن “المؤسسة العسكرية صامدة، ومتماسكة، ولا استقالة لقائد الجيش، لكن هناك إصراراً من قبل الجيش اللبناني على وضع خطة غير صدامية تحمي الاستقرار والسلم الأهلي”. وأوضحت قيادة الجيش في بيان، اليوم الجمعة، ما تناولته وسائل إعلام من معلومات حول موقف القيادة من المهام التي تتولاها المؤسسة العسكرية في المرحلة الحالية، بحيث أكدت أنها “تنفذ مهامها بأعلى درجات المسؤولية والمهنية، والحرص على أمن الوطن واستقراره الداخلي، وفق قرار السلطة السياسية، والتزاماً بأداء الواجب مهما بلغت الصعوبات”.
وقالت إن “الواجب الوطني الذي يتشرف الجيش بأدائه هو التزام ثابت لا تراجع عنه، وقد بذل العسكريون من مختلف الرتب تضحيات كبيرة في هذا السياق خلال مختلف المراحل، بخاصة مع استمرار العدو الإسرائيلي في اعتداءاته على وطننا”.
إلى ذلك، قال مصدر عسكري لـ”العربي الجديد” إن الجيش اللبناني يستكمل اليوم تسلم السلاح الفلسطيني من حركة فتح في مخيم برج البراجنة في بيروت. ووسط هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى الكلمة التي سيلقيها رئيس البرلمان نبيه بري يوم الأحد في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، والتي من المتوقع أن تكون حاسمة قبيل الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء، وتحدّد الخطوات أو الطروحات التي من الممكن السير بها، وسط تمسك بري المستمرّ بالتوافق والحوار مدخلاً أساسياً لأي أزمة.
ماكرون: انسحاب إسرائيل ووضع حد للانتهاكات شرطان لتنفيذ خطة لبنان
على صعيدٍ ثانٍ، قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إنه “تحدث مع الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، وقد جرى تجديد ولاية يونيفيل، التي تشارك فيها فرنسا بشكل فاعل، بالإجماع، وهذه رسالة مهمة وقد رحبنا بها”. وأضاف: “أشَدتُ بالقرارات الشجاعة التي اتخذتها السلطة التنفيذية اللبنانية من أجل استعادة حصر استخدام القوة بيد الدولة، وأشجّع الحكومة اللبنانية على اعتماد الخطة التي ستُعرض على مجلس الوزراء لهذا الغرض، وسيتوجّه مبعوثي الشخصي جان إيف لو دريان إلى لبنان للعمل يداً بيد مع السلطات على أولوياتنا فور اعتماد هذه الخطة”.
وأكد أن “الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان ووضع حد لجميع الانتهاكات للسيادة اللبنانية يُشكّلان شرطين أساسيين لتنفيذ هذه الخطة، وقد أكّدت فرنسا دائماً استعدادها للاضطلاع بدور في تسليم النقاط التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي”، مشدداً على أنه “يجب أن يكون أمن لبنان وسيادته في أيدي السلطات اللبنانية وحدها”. وتابع ماكرون: “جدّدتُ للرئيس عون ورئيس الوزراء تأكيد عزمنا على تنظيم مؤتمرين بحلول نهاية هذا العام، الأول لدعم القوات المسلحة اللبنانية، الركيزة الأساسية لسيادة البلاد، والثاني من أجل نهوض لبنان وإعادة إعماره”. وختم: “أمنٌ مُستعاد، سيادةٌ مُعزَّزة، وازدهارٌ مستدام: هذا هو المستقبل الذي نريده للبنان، على صورة قوة أرزه الراسخة أبداً”.
وقفة احتجاجية رفضاً لإخلاء سبيل متهم بالعمالة
على مقلبٍ آخر، يزيد امتعاض حزب الله ومناصريه من الحكومة، ليس فقط بمقرراتها الأخيرة، إنما بخطوات تحصل في عهدها، يعتبرونها إرضاءً للإملاءات الأميركية، أبرزها إطلاق سراح أسير إسرائيلي من دون أي مبادلة قبل أسبوع، واليوم، إخلاء سبيل محيي الدين حسنة، بعد 22 شهراً على توقيفه، بقرار محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي منير سليمان، لعدم كفاية الدليل، وعدم التمكّن من إثبات ضلوعه في التعامل مع إسرائيل، علماً أنه كان اتهم من قبل المحكمة العسكرية بالعمالة، وارتبط اسمه بمجزرتي “البيجرز” اللتين وقعتا في أيلول/ أيلول الماضي، وأدين بالسجن 15 عاماً.
ونُفذت صباح اليوم الجمعة وقفة احتجاجية أمام المحكمة العسكرية في بيروت “رفضاً لإخلاء سبيل عملاء للعدو”. واعتبرت هيئة ممثلي الأسرى والمحررين اللبنانيين أن قرار المحكمة فضيحة وطنية، مشيرة إلى أن “محيي الدين حسنة اعترف بقيامه بمسح إلكتروني شامل للضاحية الجنوبية وبيروت، وجمعه بيانات فنية حساسة عن شبكات الإنترنت لصالح العدو”، مستغربة توقيت إطلاق سراحه الذي جاء بعد زيارة الوفد الأميركي إلى لبنان والتصعيد ضد المقاومة.