العملات الرقمية تزاحم الذهب والعقارات في الخليج

عزز كسر “بيتكوين” سقفها التاريخي في 14 آب/ آب الجاري، متجاوزة 124 ألف دولار، التحليلات المرجحة لتحول في نمط سلوك المدخرين والمستثمرين، خاصة في منطقة الخليج، لا سيما بين الفئات الشبابية التي باتت تنظر إلى العملات الرقمية باعتبارها بديلاً جاذباً للاستثمارات التقليدية، وهو ما رصدته مؤسسات التخصص الدولية التي تربط هذا الصعود لـ”بيتكوين” بجموح التوقعات نحو خفض ملحوظ في أسعار الفائدة وتيسير نقدي مقبل، ما يجعل الأصول عالية المخاطر أكثر جاذبية قياسا بالنقد والودائع والسندات، وهي الأدوات التي يقوم عليها الادخار التقليدي في الخليج.

في المجتمعات الخليجية، تشكل الفئات الشابة كتلة ديموغرافية وثقافية مؤثرة، ما ينعكس على سلوك الادخار بطرقٍ ملموسة، فجزء من “مدخرات البداية”، التي كانت تتجه تقليديا إلى حسابات مصرفية أو ذهب بسيولة عالية أو دفعات أولى في عقار بات مقتطعا إلى “محافظ رقمية”، على أمل تحقيق قفزة سريعة في تراكم رأس المال، بحسب دراسة أوردها المستودع البحثي لجامعة كورنيل، أشارت إلى أن هذا التحول لا يعود إلى الأسعار وحدها، بل إلى البنية الإعلامية التي تصوغ التوقعات عبر قصص النجاح القصيرة على الشبكات الاجتماعية، وبحسب مؤثرين يبثون “مناهج استثمار” في دقائق، ومنصات تداول تبسط عملية الحصول على الدخل.

لكن كيف يقرأ الخبراء هذه الموجة؟ يسود تقييم مزدوج في معرض الإجابة عن هذا السؤال، فبينما ترفع العوامل التي تقوي السرد المؤيد للعملات المشفرة وزن “بيتكوين” في النقاش الاستثماري حتى لدى مديري الأموال المحافظين، هناك تحذير صريح من خلط الادخار التراكمي طويل الأجل بالمضاربة الدورية، حسب تحليل أوردته صحيفة “فايننشال تايمز”.

وبحسب التحليل ذاته، فإن إتاحة الوصول للعملات المشفرة لا تعني صلاحيتها كأداة لكل مدخر، كما أن المخاطر والرسوم وعدم اليقين يجعل إدراج أصول عالية التذبذب داخل وعاء ادخاري طويل الأجل أمرا يحتاج ضوابط ومعايير انتقاء صارمة.
أما على مستوى رؤوس الأموال الكبيرة في الخليج، فثمة مؤشرات آسيوية لافتة في آب/ آب، إذ نقل تقرير نشرته وكالة “رويترز” عن مديري ثروات في آسيا، حيث تتقاطع شبكات الأعمال والاستثمار مع الخليج، أن العائلات الثرية زادت حيازتها للعملات المشفرة هذا الصيف مع تحسن الأطر التنظيمية وتبلور قنوات استثمارية مؤسسية.
وفي السياق، يشير الخبير المالي والمستشار الاقتصادي هاشم الفحماوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن وصول سعر “بيتكوين” إلى مستويات قياسية جديدة يُنظر إليه باعتباره حالة متضخمة وتنطوي على مخاطر كبيرة، مشيرا إلى احتمال حدوث تقلبات حادة في أسواق العملات الرقمية خلال الشهر المقبل، قد تؤدي إلى انخفاض قوي في سعر “بيتكوين”.
ويتوقع الفحماوي عودة السعر إلى مناطق الدعم عند 80 إلى 90 ألف دولار، وهو المدى الذي يعد أكثر أمانا لبدء الاستثمار في “بيتكوين”، حسب تقديره، لافتا إلى أن بعض شرائح المجتمع الخليجي تشهد، في ظل هذه التطورات، تحولا تدريجيا في ميولها الاستثمارية، حيث يتجه عدد متزايد من الأفراد نحو العملات الرقمية باعتبار ذلك وسيلة لحماية القيمة المالية من آثار التضخم، خاصة مع تراجع العوائد على الادخار في البنوك التقليدية.

ويرى الفحماوي أن هذا التحول يأتي في سياق البحث العام عن بدائل استثمارية في الذهب أو العقارات أو حتى في الأصول الرقمية ذات المشاريع المدعومة بأسس حقيقية، ما يفسر جزئيا الزيادة في الاهتمام بهذا القطاع.
ومع ذلك، يؤكد الفحماوي أن الاستثمار في “بيتكوين” لا يزال منطوياً على درجة عالية من المخاطر، مشدداً على ضرورة التريث وعدم الاندفاع وراء المكاسب السريعة، دون أن يعني ذلك التخلي عن الادخار أو الاستثمار، بل إعادة تقييم وترتيب الأولويات المالية، والانتظار حتى تبدأ “بيتكوين” بموجة التصحيح السعري الثانية، والتي قد تمثل فرصة أكثر منطقية لدخول السوق بحذر.
كما يلفت الفحماوي إلى ظاهرة أخرى، وصفها بالمقلقة، تتمثل في انتشار التوصيات الاستثمارية على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يُطلق بعض المشاهير والمؤثرين توصيات حول عملات رقمية دون امتلاك الخبرة الكافية أو فهم حقيقي للأسس التي تقوم عليها هذه العملات.
ويلفت الفحماوي، في هذا الإطار، إلى توقعات بشطب أكثر من أربع عملات رقمية من السوق خلال عام 2025، على غرار ما حدث سابقاً مع عملة ترامب وغيرها من العملات. ولذا يشدد الفحماوي على ضرورة أن يبني أي شخص ينوي الدخول إلى سوق العملات الرقمية قراره على دراسة متأنية للمشاريع الأساسية، وفهم طبيعة التكنولوجيا والرؤية المستقبلية وراء كل عملة.