رغم تكرار الشكاوى في ليبيا وتأكيد خبراء البيئة والصحة حجم الخطر الناجم عن الصيد بالمتفجرات، باتت مشاهدة القوارب الصيد غير المرخصة التي تعمد إلى ذلك مألوفةً قبالة السواحل الليبية في ظل غياب الرقابة وضعف العقوبات.
تواجه البيئة البحرية الليبية مخاطر متزايدة خلال السنوات الأخيرة من جراء تصاعد ظاهرة الصيد باستخدام المتفجرات، والتي باتت تتسع على طول الساحل الذي يفترض أن يكون مصدراً للطعام، وركيزة للأمن الغذائي، بالتزامن مع تراجع سلطة القانون وضعف قدرة أجهزة الرقابة على متابعة الساحل الممتد لمئات الكيلومترات. وتآذار عشرات من القوارب غير المرخصة نشاطها في شكل انتهاكات فردية، بينما يعمل بعضها بالتنسيق مع شركات صيد محلية تستعين بصيادين من خارج البلاد، وجميعها تتشارك استخدام المتفجرات كوسيلة سريعة لجمع أكبر قدر من الأسماك.
ويقول سالم بن عجال، وهو صياد من مدينة الخمس شرق طرابلس، لـ”العربي الجديد”، إن “أصوات الانفجارات ليلاً، وأصوات القوارب التي تجمع الأسماك في الصباح الباكر باتت جزءاً من المشهد اليومي الذي اعتاد عليه الصيادون وسكان السواحل، رغم تكرار الشكاوى للعديد من الجهات، بما فيها جهاز خفر السواحل. مشهد الأسماك الطافية على سطح الماء عقب كل عملية تفجير، يؤكد أن كميات أكبر تغرق في القاع، ما يجعل هذه المآذارات تتجاوز التهديد للحياة البحرية إلى تهديد مهنة الصيد كمصدر رزق أساسي لمئات الأسر، إذ أصبحت آثار التلوث واضحة على الأسماك”.
ويشير بن عجال إلى أنه لم يعد قادراً على بيع صيده لشركات التصنيع المحلية كما كان الأمر في السابق، لأن هذه الشركات اتجهت في السنوات الأخيرة إلى التعامل مع مراكب صيد غير قانونية لرخص الأسعار، فضلاً عن الكميات الكبيرة التي يوفرونها، لذا صار يعتمد أكثر على البيع المباشر للمواطنين في الأسواق الشعبية.
ويتفق الصياد خيري فكرون، من مدينة زوارة في أقصى الغرب، مع بن عجال، مؤكداً أنّ “التأثير السلبي للصيد بالمتفجرات على البيئة البحرية أصبح جلياً مع اختفاء العديد من أنواع الأسماك، والتي تهجر السواحل الليبية نتيجة المخلفات الناتجة عن المتفجرات، والتدمير الذي يطاول مصادر غذائها الأساسية. أصناف مثل الوراتة، والقاروص، والتونة، والصاورا، والقاجوج باتت تقل أعدادها بشكل متزايد، رغم كثافتها التاريخية في بحر ليبيا”.
ويشير فكرون إلى أنّ “تداعيات الصيد الجائر لا تقتصر على البيئة، بل تطاول السوق المحلي أيضاً، فقد ارتفعت أسعار الأسماك نتيجة تراجع الكميات المعروضة، وارتفاع تكاليف تشغيل مراكب الصيد القانونية، والكثير من الأسر التي أقابلها في السوق تؤكد تراجع استهلاكها من الأسماك، وبعدما كانت وجبة معتادة ومتكررة، صارت تستهلك مرة كل شهر أو شهرين”. ويضيف: “المشكلة لا تكمن في ضعف العقوبات فقط، بل في غياب الرقابة، فالقانون الليبي، ورغم نصه على تجريم استخدام المتفجرات في الصيد، لا يفرض سوى غرامة مالية، والتفجير الواحد يمكن أن يحقق لصاحبه أضعاف قيمة الغرامة خلال ساعات قليلة، ما يجعل الردع بلا جدوى، كما أنّ غياب الأجهزة الرقابية يشجع على انتشار قوارب الصيد غير المرخصة، والتي تواصل استهداف الأسماك حتى في مواسم تكاثرها، ما يهدد بفناء الثروة البحرية”.
من جانبه، يوضح أستاذ علوم البيئة، سعد الشويهدي، لـ”العربي الجديد”، أن “مخاطر المتفجرات تتجاوز قتل الأسماك لتصل إلى تلويث أعماق البحر حيث الأعشاب البحرية والإسفنج والطحالب، وغيرها من الموائل الطبيعية التي تشكل البيئة الحاضنة للتكاثر والغذاء. تراجع هذه المكونات يفسر غياب أنواع مثل أرنب البحر، وسمك الببغاء، واللذين كانا يزدهران في الساحل الليبي، كما أن تدهور المنظومات الطبيعية يؤثر مباشرة على نقاء البيئة البحرية، ويرفع مستويات التلوث فيها”.
يتابع الشويهدي: “القوارب غير المرخصة أحد أسباب التلوث، إذ تخلف زيوتاً ومخلفات وقود نتيجة عدم التزامها بالقوانين، ما يزيد حجم الكارثة البيئية. القضية لم تعد مجرد صراع من أجل مصادر الرزق، بل صارت معركة للحفاظ على النظام البيئي، فكل تفجير يرفع مستويات المواد الكيميائية التي تولد سموماً يصعب التخلص منها، ويزيد ذلك المخاطر الصحية على المستهلكين بالتزامن مع غياب الرقابة على مصادر الأسماك المعروضة في الأسواق، ما يجعل الخطر غير مقتصر على البحر، بل وصل إلى موائد المواطنين”.
وبينما يرى الأكاديمي الليبي أنّ “الحل يبدأ بتحديث التشريعات وتشديد العقوبات، وتطبيقها بصرامة، إلى جانب إطلاق دوريات مراقبة مكثفة على طول الساحل”، فإنه يطالب وسائل الإعلام بالانضمام إلى حملات التوعية التي تهدف إلى حماية الحياة البحرية، إضافة إلى ضرورة تعزيز الوعي الأخلاقي لدى الصيادين، والوعي الصحي لدى المواطنين حيال المخاطر التي تهدد حياتهم من جراء استهلاك أسماك ملوثة.