مع استمرار الحرب في أوكرانيا واقترابها من عامها الرابع، يبدو أن الاتحاد الأوروبي بلغ حدود ما يمكن فعله بمسألة العقوبات المباشرة ضد روسيا. لذا، يتجه التكتل نحو خطوة غير مسبوقة تتمثل في فرض العقوبات الثانوية على دول أو أطراف ثالثة يُشتبه في مساعدتها موسكو على الالتفاف على العقوبات الحالية، في محاولة لتشديد الخناق على الاقتصاد الروسي وداعميه غير المباشرين. هذه الخطوة، إن اتُخذت، تمثل تحوّلاً في نهج بروكسل، التي لطالما تجنّبت هذا النوع من العقوبات خشية التوتر مع شركائها التجاريين.
ونقلت “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة، أن الاتحاد الأوروبي يعمل على إعداد الحزمة الـ19 من العقوبات التي يُتوقع أن تركز في المقام الأول على معاقبة متورطين روس في “اختطاف الأطفال الأوكرانيين”، وهي قضية وجدت صدى خاصا لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اجتماعاته الأخيرة مع القادة الأوروبيين في البيت الأبيض. ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن هذا الأسبوع لمناقشة مجموعة خيارات، بينها تفعيل أداة “مكافحة التحايل” التي أُقرت عام 2023، لكن لم يُستخدم العمل بها حتى الآن. وتتيح هذه الآلية حظر تصدير أو توريد أو تحويل سلع معينة إلى دول ثالثة يُعتقد أنها تساعد موسكو على كسر العقوبات.
إلى جانب ذلك، يبحث الوزراء فرض قيود جديدة على قطاعي النفط والغاز الروسيين، وتشديد الإجراءات على القطاع المالي، فضلاً عن تقليص الاستيراد والتصدير من روسيا وإليها. ورغم أن هذه المباحثات ستُعقد بشكل غير رسمي، فإنها تُظهر أن بروكسل تبحث عن أدوات أكثر صرامة للضغط على موسكو.
لطالما تجنّب الاتحاد الأوروبي العقوبات الثانوية، خاصة بعد انتقادات إدارة ترامب لهذه السياسة خلال فترته الرئاسية الأولى. ومن جهة أخرى، فرض ترامب أخيراً رسوماً ثانوية على الهند لمعاقبة مشترياتها من النفط الروسي، معتبرا أنها تشكّل دعما غير مباشر لآلة الحرب الروسية. ورغم مطالبة حلفاء أوروبيين واشنطن بفرض عقوبات “ساحقة” إضافية على روسيا، لم تُصدر الولايات المتحدة حتى الآن حزمة شاملة جديدة، مكتفية بإجراءات محدودة.
إن تبنّي الاتحاد الأوروبي العقوبات الثانوية سيُعيد رسم قواعد اللعبة الاقتصادية عالمياً، إذ قد يضعه في مواجهة مباشرة مع دول نامية كالهند أو الصين أو دول في الشرق الأوسط التي تواصل التعامل التجاري مع روسيا. وفي حال جرى تفعيل هذا المسار، فإن الأسواق العالمية للطاقة والسلع ستشهد مزيدا من الاضطراب، بينما ستتسع رقعة الحرب الاقتصادية لتشمل أطرافاً خارج ساحة الصراع المباشر.