وصفة من عيادة ترامب

استعانت بي جمعية اجتماعيّة ألمانيّة في فضّ النزاعات داخل “الهايم” الذي أقمتُ فيه فترةً، ثم تحسّنت أحوالي فاستأجرتُ بيتاً. كانوا قد لمسوا مني حكمةً وعقلاً، وهي حكمةٌ متأخّرة، فالحكمة تأتي مع التجارب والمحن، وعملت مستشاراً لهم، وأنا أظنّ، مثل ترامب، أني سأذهب إلى الجنة بهذا القصد.

اتّصلت بي امرأةٌ تُدعى أيلة (الاسم مستعار لكنه مشابهٌ للاسم الحقيقي) وأخبرتني، بالعربية، بأنها عروس، وأنها حصّلت رقمي الهاتفي من رئيسة الجمعية السيدة نيكول، وأنّ زوجها طارق صاحبي، ولم يكن سوى أحد معارفي، وتواعدنا، فباركتُ لها زواجها، ودعوتُ لهما بالرّفاء والبنين، فإذا بها تندب وتتحسّر قائلةً: “أيُّ رفاء؟ وأيُّ بنين؟ لقد مضى على زواجنا ستّةُ أشهر ولم يقرَبني”.

قالتها بأسى من غير تجلد، وأضافت: “لا يعرف شيئا من معارف الليل ولا من معارف النهار، غريزته مفقودة. بل إنه لم يُقبّلني إلا قُبلاتِ الأخوّة: على الخدّ أو الجبين”.

عجبتُ من أمره، وقلت في نفسي: “والله، هذه من علامات آخر الزمان. طلبتْ مني أن أعينه، وأنصحه، وأدُلَّه على “خريطة الكنز”. قلت: لو كانت هذه الصبيّة الجميلة عندي لاعتكفتُ في البيت أصبُّ عليها الحبَّ صبّاً وتحوّلت إلى كائن برمائي من كثرة الاغتسال”.

وعدتُها خيراً. قلتُ لها جملة الرجل البرتقالي السحرية: “طارق رجلٌ رائع، وسيعود عظيماً كما كان في أسبوعين”.

سعيتُ بينهما على الطريقة “الترامبية”، لا على طريقة بايدن: لا مساعدات جويّة، ولا بناء موانئ، بل إنشاء ممرّ داود بين الصالة التي ينام فيها وغرفة النوم. فقد كان ينام إلى جانب التلفزيون. قالت: لدينا في البيت صندوقان: تلفزيون وزوجي. … سألتُ نفسي: “لمَ تزوّج إذًا؟” وعلمتُ أنّه أراد مؤنِساً، لا غير.

سألتُها: “أما تحاولين إغراءه؟”. … علمت منها أنه ينظر إليها كما كان سيف الدولة يوم عموريّة ينظر إلى الأبطال وهي تمرّ به كلمى هزيمة ووجهه وضّاح وثغره باسم. وعلمتُ أنّه درس في الاتحاد السوفييتي، بلد الحوريّات والبحر الأسود، فلعله شبع مما لا يشبع منه، قلتُ لها تعويذة ترامب: “سأجعل من بيتكما ريفييرا ومن سريركما بلاط الشهداء، وأذهب إلى الجنة”.

ما لبثتُ قليلاً، حتى اتّصل بي أحد معارفي في “الهايم”، اسمُه صفوان، يشكو لي أمراً شبيهاً. قال لي: “تزوّجتُ نائلة وها قد مضى شهرٌ على زواجنا، وهي تنفر منّي، وإذا اقتربتُ، زأرت مثل اللبوة، واتّهمتني بالذّكوريّة”.

رأيتُ أنّ قضيّة صفوان الذكورية ونائلة أعجب من قضيّة طارق وأيلة “الأنوثية”. قلت له: “إن لم يُصِبْك وابلٌ، فسيُصيبك طَلّ. ستكون نائلة عظيمة، وبيتك ريفييرا”. وأوصيتُه أن يسوسها، ويخادعها وينام معها كأنه أختها، ثم يغافلها ويدكُّ الحصون ويدمّر القلاع. الحبّ خدعة مثل الحرب، وصيّته أن يذكي غبار التسترون ويثير نقع البرجسترون. التقيتُ بنائلة (لا تزال آنسة، كما قالت)، وبعد حديثٍ طويل ووصايا، اتّهمتني أنا الآخر بالذكوريّة!

القصّة “الترامبية” الثالثة، حدث أن تأخّرت سابينا الألمانية يوماً في الجمعية، بسبب تعطّل سيّارتها، فتطوّعتُ لإيصالها إلى دارها القريبة، في حيٍّ “فلورزهايم”. وفي الطريق، أخبرتني بأنّها ستتزوّج قريباً، وكانت تدلّني على الطريق. قالت إنّها مخطوبة، وإنّها ستدعوني إلى حفلة عرسها. رحّبتُ بالدعوة وشكرتها عليها. عندما وصلنا إلى دارتها، وجدنا صديقتها في استقبالها، فنزلت وعانقتها. عرّفتني بها قائلةً: مانويلا .. “زوجتي المستقبليّة”.

وجدتُ أمرهما أعجب من القصّتَين السابقتين، وقلتُ في نفسي إنّي أعيش حكاياتٍ تشبه “ألف ليلة وليلة”. ثمّ قبّلتْها صديقتها قُبلةً حارّة، كتلك التي نراها في نهايات الأفلام، فقلتُ لهما جملة ترامب السحرية: “ستُصبح فلورزهايم عظيمة”. … علمت من بعض الطرق أن أيلة، بطلة القصّة الأولى، قصدت طبيباً لإزالة غشاء البكارة جراحيّاً وفتح ممر داود. وأن صفوان اغتصب زوجته، فحُبس بتهمة الذكورية. أما الألمانيّتان العاشقتان فتعيشان في تباتٍ ونبات… من دون خِلفةِ صِبيان أو بنات، وغداً ليلة الدخلة.

عدتُ وأنا أحلم بجائزة نوبل للسلام.