تعطيل الإنترنت يعرقل التعليم في باكستان

ينعكس الوضع الأمني المتردي الناتج عن أعمال العنف في باكستان على جوانب الحياة كافة، وأعلنت الحكومة قطع شبكة الإنترنت في إقليم بلوشستان (جنوب غرب)، حتى آخر آب/ آب الجاري، وقد يستمر القطع مدة أطول، الأمر الذي يؤثر على تفاصيل الحياة اليومية للسكان ويرخي بثقله على عملية التعليم، علاوة على الآثار النفسية التي يقاسيها الآباء والأمهات، حيث ينقطع تواصلهم مع أبنائهم عندما يكونون في المدارس أو الجامعات.
وبرّرت الحكومة الباكستانية خطوتها بالقول إن المسلحين يستخدمون الإنترنت من أجل التنسيق في ما بينهم والتخطيط للعمليات المسلحة وتنفيذها، مؤكدة أن الخطوة مؤقتة ولن تستمر أكثر من اللازم. لكن نظراً للواقع الأمني المتدهور، لا يتوقع المراقبون وسكان الإقليم عودة شبكة الإنترنت في القريب العاجل.
وتستند الحكومة في قرار تعطيل شبكة الإنترنت إلى المادة رقم 54 من قانون الاتصالات الباكستاني لعام 1996 التي تمنح الحكومة والسلطات المعنية صلاحية تعليق عمل الإنترنت والهواتف الذكية في حالات الطوارئ، وكلما رأت السلطات ضرورة لذلك. غير أن القانون المذكور لا يحدد فترة التعطيل، إنما يترك ذلك لرأي الحكومة ووفقاً لما تراه مناسباً، ما يثير خشية سكان بلوشستان، ولا سيما الأساتذة والطلاب، من إطالة أمد هذا القرار.
ليست هذه المرة الأولى التي تعطل فيها الحكومة الباكستانية شبكة الإنترنت، بل فعلت ذلك مراراً، لكنها كانت تكتفي عادةً بيوم أو يومين، وعلى الأكثر ثلاثة أيام، أما هذه المرة فتمتد لأسابيع، من دون معرفة إمكانية عودة الشبكة في الفترة القريبة. وفي السياق، نظم عدد من سكان الإقليم وبعض السياسيين وعلماء الدين احتجاجات شارك فيها صحافيون وناشطون، لكنها لم تؤدِّ إلى النتيجة المرجوة.
ويقول الناشط الاجتماعي لعل كل كاكر، لـ”العربي الجديد”: “ندرك جميعاً أن القرار لم يأتِ من الحكومة، بل من الجيش الباكستاني وفيلق بلوشستان، والحكومة المحلية ليست إلا واجهة تعلن ما تقرّره المؤسسة العسكرية. ومن المعروف أن الجيش الباكستاني إذا اتخذ قراراً فلا يمكن تغييره، كون رأي المواطن لا يعنيه، ولا يمكن أصلاً الحديث مع الجيش. لكننا شاركنا في الاحتجاجات، وسنشارك فيها مستقبلاً، كي نرفع الصوت تجاه معاناتنا”.

تتذرع الحكومة بالوضع الأمني، إقليم بلوشستان، 21 أيار 2025 (آصف حسن/ فرانس برس)

تتذرع الحكومة بالوضع الأمني في إقليم بلوشستان، 21 أيار 2025 (آصف حسن/فرانس برس)

ويوضح الناشط أن قادة الجيش وصنّاع القرار في المؤسسة العسكرية “لا يدركون معاناة سكان بلوشستان الذين يعيشون بأشد حالة من الفقر والبطالة المستشرية، إضافة إلى أعمال العنف التي تحصد أرواحهم”. ويتابع: “كما أن طلاب الإقليم يقاسون كل أنواع المعاناة التي فاقمتها اليوم مسألة قطع الإنترنت. فالعثور على كتاب في الإقليم أمر صعب جداً، ما دفع العديد من الطلاب إلى الاستعانة بالإنترنت من أجل الحصول على مراجع ومعلومات وتعزيز معارفهم ومتابعة الدراسة، لكن بعد تعطيل الشبكة لم يعد بإمكانهم مواصلة التعلّم أو البحث والتحقق من المعلومات أو إعداد البحوث العلمية أو حتى الدراسة عن بُعد. ويواجه الأساتذة أيضاً مشاكل ليس فقط في التواصل مع الطلاب والإدارات المعنية، بل أيضاً في البحث عمّا يحتاجون إليه”.
وتقول الطالبة الجامعية بروين مظفر، وهي من سكان مديرية مستونك في إقليم بلوشستان، لـ”العربي الجديد”: “60% من عملية تعليمنا توقفت بشكل كامل، لا يمكننا البحث عمّا يطلبه الأساتذة والمعلمون، ولا يمكننا الاستعداد للامتحانات المقبلة. علاوة على ذلك، تبرز إشكالية التواصل مع الأهل، أحياناً نتواصل معهم عبر الاتصال الهاتفي، لكن كلفته عالية من جهة، وشبكات إرسال الهواتف ضعيفة من جهة أخرى، وأحياناً تكون معدومة”.

وترى أنه “كان من الأنسب أن تعلن الحكومة توقف عملية التعليم بشكل كامل، خصوصاً أن الأساتذة يضغطون علينا ويصرّون على إنجاز البحوث العلمية والواجبات الدراسية الفصلية. لكنهم في النهاية يعرفون أننا نواجه جميعاً مشاكل عديدة تعرقل إنجاز أي بحث علمي أو عمل فصلي أو حتى التحضير للامتحانات والتعليم عن بُعد. لقد توقفت العملية التعليمية برمّتها. فقط نقصد الصفوف لنتلقى الدروس المتاحة لدى الأساتذة”.
وتؤكد الطالبة مظفر أن المدارس تعاني بدورها من المشاكل جراء قطع الإنترنت، لكن تلامذة المدارس لا يحتاجون للأبحاث المعمقة مثل طلاب الجامعات. لذلك، فإن تعطل شبكة الإنترنت يمثل مصيبة كبرى بالنسبة إلى عموم طلاب الجامعات والأساتذة من دون استثناء، لكن صنّاع القرار، بنظرها، لا يدركون حجم المعاناة، حيث إنّ أولوياتهم تختلف كثيراً عن أولويات الطلاب وسكان الإقليم.