في ظل سعي القاهرة لجذب استثمارات خليجية جديدة تخفف من أعباء الدين الخارجي وتدعم احتياجاتها التمويلية العاجلة، ناقش مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية، في مدينة العلمين الجديدة اليوم الخميس، تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة التي أُعلِنَت في إبريل/نيسان الماضي بقيمة 7.5 مليارات دولار. وجاء اللقاء في توقيت يشهد فيه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة، ما يمنح الشراكة مع الدوحة بعدًا استراتيجيًا يتجاوز الجانب المالي، ليعزز الثقة بمستقبل السوق المحلية.
وأكد مدبولي أن العلاقات بين مصر وقطر تشهد “نقلة نوعية” في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، مشدداً على أهمية البناء على نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للدوحة في إبريل/نيسان الماضي، التي مثلت نقطة انطلاق للحزمة الاستثمارية. وأوضح أن الحكومة المصرية تعمل على تسهيل الإجراءات وتقديم ضمانات داعمة لمجتمع الأعمال القطري، بما يفتح المجال أمام استثمارات جديدة تعزز التنمية وتدعم الاقتصاد الوطني.
في السياق، قال مصدر مصري مطلع لـ”العربي الجديد” إن الزيارة تأتي في إطار تفعيل حزمة الشراكة الاقتصادية التي أُعلِنَت في إبريل الماضي بقيمة 7.5 مليارات دولار، موضحاً أن الفترة المقبلة ستشهد بدء تنفيذ هذه الاستثمارات في قطاع السياحة بمنطقة علم الروم في مرسى مطروح، على غرار الصفقة التي أبرمتها مصر مع الجانب الإماراتي في الساحل الشمالي، إلى جانب مشروعات عقارية أخرى. وأشار المصدر إلى أن جزءاً من هذه الحزمة سيتضمن مبادلة ودائع قطرية لدى مصر باستثمارات مباشرة في قطاعات الاقتصاد المختلفة، لافتاً إلى أن قيمة الودائع القطرية في البنك المركزي المصري تبلغ نحو 4 مليارات دولار.
من جانبه، قال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري، إن زيارة السيسي لقطر أسهمت في تعميق العلاقات وتعزيزها في مختلف المجالات، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تنفيذ ما اتفق عليه بين القيادتين. وأضاف أن الحزمة الاستثمارية ستوجَّه نحو قطاعات ذات أولوية تشمل الزراعة والأمن الغذائي، والتطوير العقاري، والسياحة والفندقة، والنقل واللوجستيات، وتوطين الصناعة، والطاقة الجديدة والمتجددة، مؤكداً التزام الحكومة تهيئة مناخ استثماري جاذب يحقق المصالح المشتركة.
بدوره، شدد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني على أن العلاقات بين قطر ومصر تقوم على “روابط متينة بين الشعبين وقيادتي البلدين”، مؤكداً أن الأسس الاقتصادية الجاري بناؤها بين الجانبين تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون. وأوضح أن بعض الاتفاقيات الخاصة بالحزمة الاستثمارية ستُستكمل خلال الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى تطور التبادل التجاري بين البلدين وتطلع الدوحة إلى مزيد من النمو في هذا المجال. كذلك لفت إلى أن التعاون لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى الثقافة والزراعة والتضامن الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، في ظل توقيع مذكرات تفاهم جديدة لتنويع قاعدة الشراكة.
ووفق بيانات رسمية، بلغ حجم الاستثمارات القطرية في مصر أكثر من 5 مليارات دولار حتى الآن، فيما ارتفعت التدفقات في العام المالي 2023/2024 إلى نحو 618.5 مليون دولار مقارنة بـ548.2 مليون دولار في العام السابق. ومع دخول الحزمة الجديدة حيّز التنفيذ، يتوقع أن تتضاعف الاستثمارات القطرية بشكل غير مسبوق، ما يضع الدوحة في مقدمة الدول الخليجية المستثمرة في السوق المصرية. وتشير تقارير دولية إلى أن قطر تدرس أيضًا مشروعًا سياحيًا ضخمًا على الساحل الشمالي بقيمة 3.5 مليارات دولار، ما يعكس اتجاهاً نحو شراكات طويلة الأمد تتجاوز الدعم المالي المباشر.
ولم يخلُ اللقاء من مناقشة التطورات الإقليمية، إذ أكد الطرفان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، مع الرفض التام لمحاولات تهجير الفلسطينيين. ويرى محللون أن الجمع بين الملفات الاقتصادية والسياسية يعكس طبيعة العلاقة بين القاهرة والدوحة، حيث يتشابك التعاون الاستثماري مع دور إقليمي متنامٍ للطرفين.
ويمثل الاتفاق على تفعيل الحزمة الاستثمارية القطرية اختباراً جديداً لمدى سرعة تحويل التعهدات الخليجية إلى واقع ملموس في السوق المصرية. فإذا ما نُفِّذَت هذه المشاريع وفق الجداول الزمنية المعلنة، فإنها ستمنح دفعة قوية لثقة المستثمرين وتخفف من الضغوط المالية، فيما يبقى التحدي في ضمان استمرارية التدفقات والاستفادة منها في إصلاحات هيكلية مستدامة، وليس فقط في تغطية فجوات عاجلة.