شهدت الأوساط القضائية في مصر حالة من الغضب والاستياء خلال الأيام الماضية، عقب الكشف عن قرار إعارة اثنين من أبناء كبار المسؤولين القضائيين الحاليين للعمل في محكمة رأس الخيمة بدولة الإمارات، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول معايير اختيار القضاة للإعارة ومدى عدالة الفرص المتاحة.
وبحسب ما أكدته مصادر قضائية مطلعة لـ”العربي الجديد”، فإن قرار الإعارة شمل المستشار يحيى مروان، نجل المستشار عمر مروان، الذي يشغل حالياً منصب مدير مكتب رئيس الجمهورية المصري ووزير العدل السابق، بالإضافة إلى المستشار عمرو عياد، نجل المستشار محمد شوقي عياد، النائب العام الحالي.
وأوضحت المصادر أن الإعارة إلى محكمة رأس الخيمة اعتُبرت من جانب عدد كبير من القضاة تكريساً للمحاباة والمحسوبية. وأفادت روايات متطابقة بأن عملية الاختيار لم تستند إلى معايير واضحة أو قواعد معلنة، بل جرت على حساب قضاة أقدم وأكثر خبرة ظلوا ينتظرون لسنوات فرصاً مماثلة.
ووفقاً للبيانات الرسمية، يشغل المستشار يحيى مروان حالياً منصب رئيس محكمة من الفئة (أ) بالنيابة العامة، وهو منتدب للعمل في التفتيش القضائي. أما المستشار عمرو عياد، فكان يشغل منصب رئيس محكمة من الفئة (ب) بالنيابة العامة، وهو الآخر منتدب للتفتيش القضائي.
وأكد قضاة تحدثوا لـ”العربي الجديد” أن “إعارة القاضيين في هذه المرحلة العمرية المبكرة نسبياً، ورغم محدودية سنوات خبرتهما مقارنة بغيرهما من المرشحين، أثارت تساؤلات عميقة حول مدى العدالة في آليات الاختيار”. وأشاروا إلى أن “هذه الإعارات تمثل فرصة مهنية ومادية نادرة يسعى إليها مئات القضاة في مصر”.
وبحسب ما نقله عدد من القضاة الغاضبين، فقد “قوبلت الإعارة بانتقادات حادة داخل الكواليس، حيث اعتبرها كثيرون تجاوزاً لمبدأ تكافؤ الفرص وتغليباً للاعتبارات الشخصية والعائلية على حساب الكفاءة والخبرة”.
وأشار بعض القضاة إلى أن “قرارات الإعارة للخارج، وخاصة إلى دول الخليج، تخضع عادةً لضوابط دقيقة تشمل مراعاة الأقدمية والتميز في الأداء، فضلاً عن التوازن بين الأقاليم والدوائر القضائية المختلفة، غير أن ما جرى في هذه الحالة تجاهل تلك الضوابط كلياً”.
وأكدت مصادر قضائية مطلعة أن “الغضب لا يقتصر على كون القاضيين المعارين من أبناء كبار المسؤولين، بل يرتبط أساساً بغياب الشفافية في إعلان المعايير التي استند إليها القرار”. وقال أحد المصادر: “المشكلة ليست في شخص القاضيين، فهما زملاء محل تقدير، لكن ما أثار الغضب أن مئات القضاة الأكفاء، بعضهم تجاوز عقدين أو ثلاثة في العمل القضائي، لم يحظوا بفرصة مماثلة رغم استحقاقهم لها، بينما جاء هذا الاختيار مفاجئاً وبدون مبررات معلنة”.
ويرى مراقبون للشأن القضائي أن هذه الواقعة تكشف عن إشكالية أعمق تتعلق بتسييس السلطة القضائية في مصر، عبر ربط مسارات الترقي والإعارات بالمواقع العائلية والنفوذ الوظيفي، وهو ما قد ينعكس سلباً على ثقة القضاة في المؤسسة القضائية ذاتها، ويعمّق الإحساس بوجود تمييز داخلي.