منذ أن فرضت منصات البث التدفقي حضورها في المشهد الدرامي، أصبح تقديم المسلسلات التي تتناول عائلات تمثل نخبة المدينة تقليداً ثابتاً: بيوت أنيقة وحياة مثالية، لكن تحت السطح تختبئ أسرار مظلمة تكشف زيف هذه الصورة. في هذا السياق، يأتي مسلسل “الأخت الفضلى” (The Better Sister) الذي عرض أخيراً على منصة برايم فيديو، مقتبساً عن رواية الكاتبة الأميركية ألافير بيرك الصادرة عام 2019، ليقدم دراما نفسية مشوقة تستكشف تعقيدات الروابط الأسرية، وجروح الطفولة، والصدمات المتناقلة عبر الأجيال.
تدور أحداث القصة حول كلوي تايلور (جيسيكا بيل)، رئيسة تحرير مجلة مرموقة. تبدو حياتها مثالية: مسيرة مهنية متألقة، وزوج ناجح وجذاب يدعى آدم تتولى معه رعاية ابنه المراهق إيثان. إلا أن آدم هو الزوج السابق لأختها نيكي (إليزابيث بانكس)، ذات الماضي المضطرب. عندما يُقتل آدم بوحشية في منزلهما، تُجبر كلوي وفقاً لإجراءات التحقيق على إعادة التواصل مع نيكي، والدة إيثان البيولوجية، لتواجه الشقيقتان معاً حقائق مؤلمة وأسراراً طال دفنها.
منذ الحلقات الأولى، يضعنا المسلسل في مواجهة مباشرة مع الفارق بين حياة الشقيقتين. في مقابل الحياة البراقة لكلوي، تحمل نيكي الماضي الفوضوي بكل أثقاله، من صدمات الطفولة إلى الإدمان، لتبدو الجريمة ذريعةً لاستكشاف التعقيدات العاطفية، والصدمات المتراكمة، والعلاقة السامة التي تربط الأختين منذ الطفولة، مروراً بكل المراحل التي شكلت شخصيتيهما، والخيارات التي فرضتها الظروف العائلية على حياتهما. هنا، يصبح لغز من قتل آدم؟ أقل أهمية من معرفة كيف تصمد الأختان أمام إرث مشترك من الألم، وكيف تتعامل كل واحدة مع شعورها بالذنب والإخفاق، ورغبتها في السيطرة على حياتها رغم الماضي الذي يطاردهما.
يغوص سيناريو “الأخت الفضلى” في الجانب النفسي للشخصيات. يتجلّى هذا في صراع كلوي مع توقعات المجتمع والحفاظ على الثروة، وفي صراع نيكي مع الذكريات المؤلمة والإدمان. هذا التباين يخلق سرداً متشابكاً يهيمن على المشهد، ويخلق نسيجاً من العلاقات المعقدة، لكن ما يربطها جميعاً يبقى سمّية العلاقات الأسرية نفسها، التي تتسرب عبر صمت، وإيماءات ناقصة، وكلمات غير منطوقة، وقرارات، حتى ولو كانت قديمة، ما زالت تثقل كاهل الحاضر. في قلب هذا كله، نجد أن المسلسل يحاول نقل حالة الانقسام الداخلي لكلوي ونيكي، والتحولات التي تفرضها الحياة، فتصبح المواجهة بين الأختين محور السرد الفعلي وليس القضية الجنائية، إذ إن الديناميكيات الأنثوية ليست مجرد خلفية، بل هي محرك رئيسي للأحداث: العلاقات بين الشقيقات، والأمهات، والصديقات، وشكل الصراعات النفسية والعاطفية بينهن التي تتجاوز الثنائية التقليدية بين الخير والشر. وفي مقابل هذه الشخصيات النسائية الغنية، تحضر الشخصيات الذكورية باهتةً، فيطلّون خصوماً هامشيين أو شركاء غير مدركين للاضطراب الذي يسبّبونه.
تلعب الأداءات التمثيلية دوراً رئيسياً في نجاح العمل الذي يُبرز التعقيد النفسي والطبقات المتعددة للشخصيات، إذ تجسد بانكس شخصية نيكي الساخرة ببراعة، بكل ما تحمله في داخلها من انفعالات وزخم عاطفي ومرارة، بينما تقدم بيل أداء مقنعاً لشخصيتها المغلفة بالصرامة والبرود، لتظهر الكيمياء بين الممثلتين في أعلى حالاتها.
مشكلة العمل الإفراط في توظيف المؤامرات الثانوية والأحداث الفرعية، التي تتضمن زملاء آدم في المكتب، ورئيسه في العمل، والمؤامرات المتعلقة بابنه إيثان ودائرته، والمحققين المسؤولين عن القضية. هذه الخطوط، رغم أنها تضيف كثافة للقصة، تؤدي في الجزء الأوسط من السلسلة إلى الملل، وتكرار المعلومات، ومراوغة الحبكة، وإضعاف تدفق السرد، ليصبح التركيز أقل على المحورين الرئيسيين: لغز القتل والعلاقة بين الأختين. كما أن استخدام ذكريات الماضي بتكرار يبطئ من وتيرة الأحداث ويقلل من حدة التشويق، حتى وإن كان الهدف المعلن هو تعميق فهم الشخصيات، خصوصاً أن كثيراً من هذه الذكريات لا ترتبط بالضرورة بالحاضر.
في “الأخت الفضلى”، لسنا أمام جريمة غامضة بقدر ما نحن أمام ميلودراما نفسية وتشريح لعلاقة شقيقتين تواجهان إرث صدمات الطفولة؛ إذ يتشابك الألم مع الحميمية، وتلتقي الخسارة مع الرغبة في السيطرة، وينقلب الانكسار إلى محاولة للنهوض والبدء من جديد.