على الرغم من تكرار إدراج “مترو الكويت” في خطط الدولة منذ أكثر من عقد، إلا أن المشروع لا يزال عند حدود التحضير والتصميم، ولم يدخل مرحلة التنفيذ الفعلي حتى الآن، رغم تركيز التحركات الحكومية خلال الأسابيع الأخيرة على مشروع سكك الحديد الوطنية والربط الخليجي، ما سلط الضوء على سبب تأخر المشروع وتأثيره الاقتصادي على البلد الخليجي.
ودفعت هيئة الطرق والنقل إجراءات طرح مشروع السكة الحديد الوطنية قدماً بقيمة تقارب مليار دولار قبل نهاية العام الجاري، وذلك بعد منح عقد التصميم التفصيلي لشركة “برويابي” التركية لمدة 12 شهراً، على أن يليها طرح إنشاءات المرحلة الأولى، مع هدف تشغيلي مرتبط بأفق 2030 وربط الكويت بالسعودية ضمن شبكة خليجية تمتد 2177 كلم، ومحطة ركاب في الشدادية على مساحة مليوني متر مربع، ما قدم مؤشراً واضحاً على وضع مشروعات الربط الإقليمي والحمولات والبضائع أولويةً قبل مشروع شبكة المترو الحضرية.
وتورد الاعتمادات الرأسمالية في موازنة 2025/2026 توجيه نحو 5.7–6 مليارات دولار إلى حزمة واسعة من مشروعات البنية التحتية مع “تركيز خاص على السكك والطرق والمياه والكهرباء وميناء مبارك الكبير”، لكن من دون تحديد نافذة زمنية ملزمة لبداية تنفيذ مترو حضري.
لماذا تأخر المترو؟
ويعزو خبراء هذا التأخر في تنفيذ مشروع المترو إلى مزيج معهود في الكويت، يتمثل في دورة الموافقات الطويلة والتجزئة المؤسسية وتعاقب الحكومات والبرلمانات بتوجهات مختلفة في ظل حساسية الديناميات المالية في اقتصاد يعتمد على النفط، ما يجعل القرارات الاستثمارية الكبرى أكثر تقلباً عبر الدورات، إضافة إلى تعرض الكويت لضغط “زمني–تنسيقي” من جيرانها لإنجاز حصتها ضمن الربط الخليجي باعتباره أولوية قبل موعد اكتمال الشبكة المقدر في 2030، وفقا لما أورده تقرير نشره موقع شركة GoalFore Advisory المعني بمعلومات وأخبار وتحليلات المقاولين والمستثمرين ومشغلي القطاع الهندسي العالمي.
ويبدو الأثر الاقتصادي لتأخر مشروع المترو ملموساً على المسارات اليومية للحركة والإنتاجية في الكويت، فغياب نظام نقل حضري عالي السعة يبقي الاعتماد شبه الكامل على السيارات والطرق، ويرفع تكلفة الزمن المهدور في الازدحام على القطاع الخاص والأسر، ويزيد فاتورة الوقود والصيانة، ويضغط على جودة الهواء، وكلها تكاليف غير مباشرة على تنافسية مدينة الكويت وجهةَ أعمال وإقامة، بحسب إفادة علي متولي، الخبير في مكتب استشارات في لندن لـ”العربي الجديد”.
خسائر التباطؤ
ويرى متولي أن مشروع مترو الكويت كان من الممكن أن يشكل نقلة نوعية في البنية التحتية وحياة السكان اليومية، لكن التأخير الكبير في تنفيذه، الذي تجاوز أكثر من عشر سنوات منذ طرح الفكرة، جعل البلاد تفقد فوائد اقتصادية مباشرة كانت متوقعة. فالتباطؤ أدى إلى استمرار الاعتماد الشديد على السيارات الخاصة، ما نتج عنه ازدحام مروري مزمن، وزيادة في استهلاك الوقود، وبالتالي ارتفاع تكاليف النقل لكل من الأفراد والشركات، فضلاً عن الضغط المتزايد على شبكة الطرق وتكاليف صيانتها الباهظة، بحسب متولي، الذي يرى أن البدء في المشروع في موعده المخطط كان كفيلاً بأن يسهم في خفض تكاليف المعيشة بشكل ملموس.
وإلى جانب ذلك، يلفت متولي إلى أن وجود نظام نقل حديث يسهم في رفع جاذبية المدن للاستثمار المحلي والأجنبي، كما يحفز على تنشيط قطاع السياحة، ويفتح المجال أمام خلق آلاف الوظائف في مجالات التشغيل والصيانة والإدارة، و”بذلك لا يقتصر أثر مشروع مترو الكويت على تحسين التنقل فحسب، بل يمتد إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي وتحفيز التنمية الحضرية”. ويخلص إلى أن “أي تأخير إضافي في تنفيذ مشروع مترو الكويت يعني مواصلة النزيف الاقتصادي الناتج عن التكاليف المترتبة على الازدحام وسوء كفاءة النقل، لكن في المقابل، إذا جرى الالتزام بجدول التنفيذ خلال السنوات القليلة المقبلة، فإن المشروع لا يزال قادراً على تعويض جزء كبير من الفاقد، ورسم خريطة نقل حديثة ومستدامة في الكويت، تعيد تشكيل واقع التنقل وتدفع بالاقتصاد نحو مزيد من الكفاءة والانفتاح”.
بوادر إيجابية
في المقابل، يشير الخبير الاقتصادي محمد رمضان، لـ”العربي الجديد”، إلى أن “تقييم الأثر الاقتصادي لمشروع مترو الكويت غير ممكن في الوقت الراهن، نظراً لعدم دخوله حيز التشغيل بعد، فالتأثيرات الاقتصادية لأي مشروع بنية تحتية ضخم لا تقاس إلا بعد تنفيذه وبدء استخدامه فعلياً، ثم تتبع أثره عبر فترات زمنية لتقييم انعكاساته على النشاط التجاري وتكاليف النقل وحركة المواطنين والمقيمين، ومستوى الإنتاجية، وعليه، فإن المشروع لا يمثل حتى الآن أي أثر مباشر أو غير مباشر على الاقتصاد الكويتي”.
ومع ذلك، يلفت رمضان إلى ما يراه “بوادر إيجابية” في بيئة الأعمال والسياسات العامة قد تسهم مستقبلاً في تعزيز جدوى مشروع المترو ونجاحه التشغيلي، منها قرار تسهيل دخول المقيمين من دول مجلس التعاون إلى الكويت عبر منحهم تأشيرات دخول سهلة، تمكنهم من العبور بسلاسة من المنافذ الحدودية. و”إذا ما جرى تشغيل شبكة المترو لاحقاً، فإن هذه التسهيلات قد تصبح عاملاً مضاعفاً للتأثير الإيجابي، خاصة مع وجود ملايين المقيمين في دول مجلس التعاون يمكنهم الاستفادة من وسيلة نقل حديثة وفعالة، ما يحفز على زيارة الكويت بانتظام، سواء لأغراض سياحية أو تجارية”، حسب تقدير رمضان، الذي يتوقع “أن ينعكس ذلك إيجاباً على قطاعات متعددة، مثل السياحة، والإيواء، والتجارة، وخدمات التجزئة، ما يُسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية”.
ويخلص رمضان إلى أن الأثر الاقتصادي لمشروع المترو ما زال غائباً في الواقع الحالي، لكن هناك خطوات تنظيمية وسياسات داعمة تعد مؤشرات واعدة، قد تهيئ الأرضية لنجاح المشروع عند تنفيذه، وتحوله من مجرد بنية تحتية إلى أداة دفع حقيقي للنمو والانفتاح الاقتصادي في الكويت.