ينتظر المهاجر الغيني، كاليدو (33 سنة) رفقة زوجته، موعد رحيلهما إلى بلدهما بعد أن سجّلا اسمَيهما ضمن قائمة الراغبين في العودة الطوعية لدى المنظمة الدولية للهجرة، ما يتيح لهما الاستفادة من المساعدات المالية. ويقول المهاجر الذي قدم من غينيا إلى تونس مطلع عام 2022، إنه سكن بدايةً في محافظة صفاقس (جنوب شرق) مع عدد من أبناء بلاده، وكانوا ينوون جميعاً الهجرة إلى إيطاليا.
ويضيف لـ”العربي الجديد”: “الحظ لم يكن حليفي، وسرعان ما تغيرت الأوضاع في تونس، وصار المهاجرون ملاحقين في كل مكان، وممنوعين من العمل، كما تتم مطاردتهم في البحر ومنعهم من الهجرة. فقدت الأمل، وضاقت بي سبل العيش، ما دفعني في نهاية 2024 إلى اتخاذ قرار العودة، على أمل أن أحظى بحياة أفضل. لم يكن القرار سهلاً، فقد قطعت مئات الكيلومترات مشياً، ودفعت مبالغ طائلة للمهرّبين حتى وصلت إلى تونس. لكن النتيجة كانت مخيّبة، وفقدت كل شيء. ربما يكون العيش في قريتي في غينيا أفضل من العيش في خيام بين حقول الزيتون، من دون ماء أو كهرباء”.
ويتوقع كاليدو أن يحل موعد سفره في تشرين الأول/ تشرين الأول المقبل، مشيراً إلى أن برنامج العودة الطوعية الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة يشمل مرافقته ومساعدته داخل بلاده في فتح محل حلاقة، وهي المهنة الوحيدة التي يتقنها، والتي كان يأمل مآذارتها في أوروبا.
ويستفيد المهاجرون العائدون ضمن البرنامج من تغطية تذكرة العودة والمساعدة بإعادة الاندماج في بلدانهم. وبحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة في تونس، بلغ عدد المهاجرين العائدين إلى بلدانهم ضمن برنامج العودة الطوعية وإعادة الإدماج، أكثر من 5 آلاف خلال النصف الأول من عام 2025. وجرى نقلهم عبر رحلات تجارية ورحلات غير منتظمة وأخرى خاصة بالمهاجرين. وهو العدد الأعلى منذ توقيع اتفاق الهجرة بين تونس والاتحاد الأوروبي في عام 2023.
بدوره، أعلن الهلال الأحمر التونسي برنامجاً للرعاية الإنسانية للمهاجرين من طالبي العودة الطوعية، إذ يتولى توفير الرعاية الشاملة للمسجلين على قوائم العودة، والمتمثلة في تأمين السكن والإعاشة والرعاية الصحية، إلى حين حلول موعد رحيلهم. ويرى الباحث في سياسات الهجرة خالد الطبابي، أن الزيادة الكبيرة في طلبات العودة ناجمة عن سياسات تونس تجاه المهاجرين، والتي اتّسمت بالوصم والملاحقة والمنع من أساسيات الحياة، ومنها العمل والسكن والتنقل.
ويؤكد لـ”العربي الجديد” أن الدراسات البحثية أثبتت عدم وجود عودة طوعية فعلية للمهاجرين، غير أن المنظمات الدولية والسلطة السياسية تستعملان هذا المصطلح للتغطية على برامج إعادة المهاجرين قسراً إلى بلدانهم، وبات برنامج العودة الطوعية سبيل الخلاص الوحيد أمام المهاجرين السريين بعد منعهم من العمل وتقييد تحركاتهم.
ويعتبر الطبابي أنّ العودة الطوعية هي الحلقة الأخيرة في مسار التضييق الذي تنفذه السلطات التونسية على المهاجرين، مذكراً بالاجتماع الدولي لمواجهة الهجرة السرية الذي عُقد بالمملكة المتحدة في إبريل/ نيسان الماضي، والذي جرت خلاله الموافقة على برنامج بقيمة 20 مليون يورو، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، يهدف إلى المساعدة في العودة الطوعية لنحو 3,300 مهاجر من الفئات الضعيفة الموجودين في الجزائر وتونس وليبيا إلى بلدانهم.
ويرى الباحث أن “تونس خلقت مناخاً من الهشاشة في صفوف المهاجرين عبر عرقلة اندماجهم وحرمانهم من حقوق أساسية ومساعدات عينية، معتمدةً نظام (مصفوفة تتبّع النزوح) التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، وذلك بدفع من الاتحاد الأوروبي. هذه العوامل مجتمعة خلقت قابلية لدى المهاجرين بالتخلي عن حلم الهجرة، والقبول بالرجوع إلى بلدانهم، بما في ذلك البلدان التي تعاني الحروب وانعدام الأمن والجفاف الحاد”.
وتنطلق رحلات العودة الطوعية للمهاجرين من مطار جربة جرجيس الدولي (جنوب شرقي) ومطار تونس قرطاج الدولي، تتولى المنظمة الدولية للهجرة استئجار طائرات منذ أكثر من سنة لتنفيذ هذا البرنامج. وخلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس في إبريل 2024، التزمت كل من إيطاليا وتونس باعتماد “العودة الطوعية” لمحاربة الهجرة السرية، وبحسب الطبابي: “نجح الاتحاد الأوروبي في سد كل منافذ الهجرة، سواء عبر البحر المتوسط أو عن طريق البلقان، ما يبدد أمل المهاجرين بإدراك الحلم الأوروبي”.
ومنذ عام 2023، تشهد تونس جدلاً متزايداً بشأن المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بعد تصريحات مثيرة للرئيس قيس سعيّد، حذّر فيها من “مؤامرة ديمغرافية”. ووسط اتهامات بـ”الاستيطان” ومخاوف سيادية من جهة، وحقوق الإنسان وحرية التنقل من جهة أخرى، تتحول أزمة الهجرة إلى ملف تتداخل فيه السياسة والمصالح الإقليمية والدولية.