فجَّرت تسريبات صحافية إسرائيلية حول اتجاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لقطع الغاز الإسرائيلي عن مصر في إجراء عقابي لنشرها قوات عسكرية في سيناء، في تصاعد مطالب برلمانية بأن تسلّم الحكومة اتفاقية استيراد الغاز لمجلسي النواب والشيوخ لمراجعة عقود توريد الغاز، وبحث المخاطر التي تحملها للأمن القومي المصري. انضم سياسيون وخبراء طاقة للمطالب البرلمانية بتقديم مشروعات فنية تحمل بدائل لاستيراد الغاز من قطر والجزائر ونيجيريا والولايات المتحدة، مع تغيير خريطة استخدام الطاقة، مؤكدين أن قطع الغاز الإسرائيلي فجأة سيزيد من أعباء تكاليف الطاقة بنحو 25% عن القيمة الحالية.
وحدَّد الخبراء خسائر مصر عند فقدان شبكة الغاز الوطنية نحو 900 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً بأنه يمكن تدبيرها بشراء ما بين أربع إلى خمس شحنات من الغاز المسال من السوق الفورية شهرياً، مع خفض التشغيل بمصانع الأسمدة والبتروكيماويات والحديد لمدة لا تتجاوز شهراً، إلى حين الاتفاق على شراء كميات غاز إضافية عبر مبادلات لعقود آجلة، عند حدود 11 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية.
تتضمَّن الاتفاقية الموقعة عام 2015، والتي جرى تعديلها في حزيران/ حزيران 2019 وفي آب/ آب 2025، توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز المستخرج من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين بقيمة 35 مليار دولار، تنتهي بحلول عام 2040.
أكد أستاذ هندسة البترول وخبير أسواق الطاقة رمضان أبو العلا لـ”العربي الجديد” أن الاتفاق الموقع بين مصر وإسرائيل لتوريد الغاز الطبيعي لم يطلع عليه أحد في مصر سواء من الخبراء أو البرلمانيين، وبالتالي أصبح كل ما يثار حول إمكانية أن تقطع إسرائيل وارداتها من الغاز الطبيعي أمراً وارداً وممكناً تنفيذه في أي لحظة دون أن تتحمل إسرائيل أية مخاطر جراء عملية القطع الفوري للإمدادات.
عقد توريد الغاز
شدد أبو العلا على ضرورة التزام الحكومة بإعادة صياغة عقد التوريد الذي جرى تحديثه مؤخراً في صفقة قيمتها 35 مليار دولار بأن يتضمن وضع شروط جزائية على الشركات الإسرائيلية الموردة للغاز، تضمن التزامها بتوفير الإمداد طوال فترة العقد، ووضع غرامات مالية في حالة عدم ضخ الغاز وفقاً للاحتياجات المحددة للطرف المصري.
أشار إلى أن الجانب الإسرائيلي، عندما كان يستورد الغاز الطبيعي من مصر حتى عام 2012، وضع ضمن العقد شروطاً جزائية جعلت من الدولة حارساً لكميات الغاز المصدرة للطرف الإسرائيلي، والتي تأثرت بالتفجيرات التي نُفِّذت في سيناء عقب قيام ثورة 25 كانون الثاني 2011، وعندما تكررت التفجيرات وتوقفت مصر عن تصدير الغاز، حصلت الشركة الإسرائيلية الموردة للغاز على تعويض بقيمة مليار و760 مليون دولار من جراء وقف الإمدادات من مصر رغم الظروف التي كانت تمر بها البلاد وتزايد الحاجة المحلية لإمدادات الغاز.
وقال إن مصر قادرة على تعويض النقص في إمدادات الغاز الإسرائيلي عبر تشغيل محطات التغويز الأربعة التي وصلت إلى البلاد مؤخراً، والتي يمكنها إعادة ضخ الغاز المسال الوارد من الأسواق الدولية إلى الشبكة الوطنية للغاز، بما يتفق مع الاحتياجات اليومية لتشغيل محطات الكهرباء والمصانع الكبرى، مؤكداً أن هذه الإمدادات كافية لسداد احتياجات البلاد من الغاز والكهرباء، عدا أنها سترفع تكلفة المليون وحدة حرارية بنحو دولارين عن قيمة المستوردة من الحقول الإسرائيلية.
بدوره، شدِّد الخبير القانوني ومؤسس حركة “المقاومة الشعبية للصهيونية” محمد سيف الدولة على أهمية وقف استيراد الغاز الطبيعي من الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار ما تنتجه الشركات الإسرائيلية من غاز مستخرج من آبار البحر المتوسط هي أراضٍ محتلة، وبعضها يقع ضمن الحدود البحرية لقطاع غزة وأخرى تنازلت عنها مصر وثيقة الصلة بحقل “ظهر” القريب من آبار حقل “ليفياثان”، وهو أمر يعد مخالفاً للقانون الدولي وإهداراً لحقوق السيادة المصرية على ثرواتها البحرية والمعدنية.
ولفت سيف الدولة لـ”العربي الجديد” إلى خطورة ربط اقتصاد مصر بواردات الغاز من إسرائيل، ما يسهل لاحتلال أراضٍ جديدة من بينها غزة وحتى نهر النيل بما يمثل 50% من مساحة مصر، وأن الحكومة تعطي الاحتلال القدرة على شل مناحي الحياة كافة في مصر التي أصبحت تعتمد على الغاز في تشغيل الكهرباء والمصانع ومحطات المياه والمحروقات.
أوضح عضو لجنة الأمن القومي بمجلس النواب هاني خضر، لـ”العربي الجديد”، أن البرلمان في حاجة إلى استعادة دوره الرقابي على الاتفاقات الدولية التي تؤثر على الاقتصاد والأمن القومي.
ويقترح برلمانيون أن تُسرع الحكومة في إعادة ترتيب أولويات الاستهلاك المحلي من الطاقة، بتخفيض كميات الغاز الموجهة للصناعات كثيفة الاستهلاك كالإسمنت وتوجيهها لتوليد الكهرباء من مخلفات القمامة والنفط، حتى لا يزيد الإقبال على الغاز، مع زيادة الاعتماد على المازوت والسولار لتوافرهما بسهولة في الأسواق المجاورة، مع مآذارة ضغوط على إسرائيل في ما يخص ملف غزة، وإعادة تصدير الغاز القادم من إسرائيل إلى أوروبا والذي يجرى تسييله في مصر، بحيث يصعب عليها التضحية الكاملة بوقف الغاز من دون ثمن سياسي.