في الوقت الذي كانت فيه الحكومة المصرية تستعد لإنشاء خط أنابيب جديد، تمهيداً لاستقبال الكميات الإضافية من الغاز الإسرائيلي بداية من عام 2026، وفقاً للاتفاق الأخير المبرم مع شركة نيوميد الإسرائيلية، المساهم الرئيسي في حقل ليفياثان، كانت مصادر إعلامية عبرية تنشر في المقابل تسريبات حول نية تل أبيب تأجيل تنفيذ اتفاق الغاز الأخير مع مصر.
التسريب نشرته صحيفة عبرية هي يسرائيل هيوم، أمس الثلاثاء، ذكرت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجّه تعليمات بعدم تنفيذ الاتفاقية الجديدة لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر إلا بموافقته، وأنه أوعز بألّا يُستكمل الدفع في الاتفاق الموقع بين شراكة “ليفياثان” للطاقة وشركة مصرية من دون موافقته الشخصية، وبررت الصحيفة تلك الخطوة بأنها تأتي على خلفية تقارير تتحدث عن “انتهاكات مصرية للملحق الأمني لمعاهدة السلام التي وقعتها مع تل أبيب في واشنطن في 26 آذار/ آذار 1979”.
إذا كانت الصفقة في صالح الأمن القومي للدولة المصرية كما يدعي البعض، فلم لا يتم اطلاع الرأي العام المصري على تفاصيلها وشروطها والشركة التي تقف وراءها وأسعار البيع ومقارنتها بالأسعار المتداولة في أسواق الطاقة العالمية؟
صحيح أنه لم تصدر تصريحات رسمية من الجانب الإسرائيلي تؤكد أو تنفي تلك التسريبات المريبة من حيث التوقيت، وصحيح أيضاً أن الجانب المصري التزم الصمت حتى الآن، لكن لا يجب هنا أن نقف عند تلك التسريبات على أنها فقط مجرد ورقة ضغط جديدة من الحكومة المتطرفة في تل أبيب على القاهرة، أو أنها تتعلق بخلاف آني بين القاهرة وتل أبيب بخصوص تطورات الحرب على غزة وقضية التهجير والمفاوضات الجارية والخلافات حول احتلال محور صلاح الدين (فيلادلفي)، لكن يجب أن ننظر لما هو أبعد وهو أن إسرائيل بتلويحها بتلك التسريبات أو إقدامها على وقف تدفق الغاز إلى مصر، كما حدث في فترات سابقة، يمكن أن تعبث بملف الطاقة المصري في أي وقت، وأنها يمكن أن تقطع تدفق الغاز عن الاقتصاد المصري وفق أجندتها التوسعية وربما بلا غرامات أو عقوبات، خاصة أن نص الاتفاقية الأخيرة أقرب إلى عقد إذعان.
بشكل عام فإن التسريب الصادر عن الصحيفة المقربة من نتنياهو، يعيدنا إلى المربع الأول لنعود ونسأل مرة أخرى: هل هناك ضرورة ملحة لإبرام الحكومة المصرية اتفاقاً لاستيراد الغاز الإسرائيلي في صفقة تعد الأضخم في دولة الاحتلال حيث تبلغ قيمتها 35 مليار دولار؟ وما حجم المخاطر التي تحيط بالأمن القومي المصري وقطاعاته الاقتصادية بما فيه قطاع الطاقة والصناعة مع ربط الأسواق المصرية وأنشطتها الحيوية المختلفة بتلك الصفقة المريبة ولمدة تصل إلى العام 2040؟
وإذا كانت الصفقة في صالح الأمن القومي للدولة المصرية كما يدعي البعض، فلم لا يتم اطلاع الرأي العام المصري على تفاصيلها وشروطها والشركة التي تقف وراءها وأسعار البيع ومقارنتها بالأسعار المتداولة في أسواق الطاقة العالمية؟ ولماذا لا يتم عرض الصفقة الأخيرة على البرلمان المصري والأحزاب المصرية لمناقشتها نظراً لخطوة بنودها، والآثار المترتبة عليها، ومنها خروج 35 مليار دولار من موازنة مصر، التي تعاني من عجز حاد، لتمويل الموازنة الإسرائيلية الموجهة لتمويل الانفاق العسكري وحرب الإبادة على غزة، والتزام دافعي الضرائب في مصر بسداد قيمة تلك الصفقة لمدة 15 سنة؟