مصر وبعثة صندوق النقد وشهادة محمود محيي الدين

عندما يتحدث محمود محيي الدين في الشأن الاقتصادي المصري فعلينا أن نستمع إليه جيداً وبإنصات، فالرجل له خبرة اقتصادية وسياسية محلية ودولية طويلة تمتد لأكثر من 30 سنة، وآذار العمل الحكومي والحزبي في مصر لسنوات طويلة. وهو خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وكان الأول على دفعته، وعمل أستاذاً للاقتصاد فيها سنوات، وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة واريك بالمملكة المتحدة.

وفي عهد حكومات حسني مبارك المتعاقبة تولى مناصب رسمية مرموقة، منها وزارة الاستثمار في الفترة من 2004 حتى 2010، وكان مستشاراً لوزير الاقتصاد في الفترة من عام 1997 حتى عام 2001، وعضواً بمجالس إدارات مؤسسات رسمية كبرى.

يتكرر الأمر في القضايا الاقتصادية الدولية حيث شغل محيي الدين مناصب بالغة الأهمية في فترة ما 2011 وحتى الآن، فقد تولى منصب المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي (2020 – 2024)، وقبلها النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشراكات (تشرين الثاني/ تشرين الثاني 2015 – كانون الثاني/ كانون الثاني 2020) كأول مصري وعربي يشغل هذا المنصب، وبعد نهاية عمله بالبنك الدولي أصبح مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة (شباط/ شباط 2020 – حتى الآن).

أهمية تصريحات محمود محيي الدين أنّ الرجل خبير في شؤون صندوق النقد حيث شغل قبل سنوات منصب المدير التنفيذي لأهم مؤسسة مالية في العالم، وهو بالتأكيد أعلم بالروشتات السامة التي يفرضها الصندوق على الدول المدينة مثل مصر وغيرها

تتفق أو تختلف مع آراء الرجل لكن يجب ألا تغفل أن شهادته في الشأن الاقتصادي العام تأتي عن خبرة عملية ودراية ودراسات أكاديمية حيث أنه له ما يزيد عن 75 دراسة اقتصادية، وكذا من داخل دولاب العمل مباشرة، سواء داخل مصر أو خارجها.

قبل أيام خرج علينا محمود محيي الدين بتصريح لافت، قال فيه إن الاقتصاد المصري وفقاً لمؤشرات الناتج المحلي الثابت لم يتحرك منذ عامي 2015-2016، وأن أعمق أزمات اقتصاد مصر لا تزال قائمة، وأن الاقتصاد المصري خلال السنوات العشر الماضية كان يدور في إطار اقتصاد إدارة الأزمات، وأنه يقترح أن يكون هناك برنامج إصلاح اقتصادي بعيداً عن برامج صندوق النقد الدولي.

وشدد على أن الدولة المصرية بحاجة إلى برنامج وطني ومسار مختلف عن المسار الحالي، وأنه حان الوقت للتمرد على اقتصاد الأزمات الذي هيمن على المشهد طوال عقد، والانتقال إلى مسار اقتصادي جديد تماماً، لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في الإدارة الاقتصادية، وإعادة تمكين الطبقة الوسطى، والتعامل مع تحديات التنمية المستدامة، وعلاج مشاكل توزيع الدخل والفقر المدقع والتركيز على النمو والتنافسية، وزيادة التصدير، وتشجيع الاستثمار، فهذه هي القضايا التي “لا يعالجها برنامج صندوق النقد”.

أهمية تصريحات محمود محيي الدين أنّ الرجل خبير في شؤون صندوق النقد حيث شغل قبل سنوات منصب المدير التنفيذي لأهم مؤسسة مالية في العالم، وهو بالتأكيد أعلم بالروشتات السامة التي يفرضها الصندوق على الدول المدينة مثل مصر وغيرها، ويدرك تماماً خطورة البرامج التي يفرضها الصندوق على الاقتصادات الوطنية، بخاصة لجهة دهس الفقراء وطحنهم، والقضاء على الطبقة الوسطى، وتدمير العملات المحلية والنسيج الاجتماعي، وإشعال نار التضخم في السلع، ونشر الفوضى داخل الأسواق المحلية، بل وقيادة الدول نحو التعثر المالي وربما الإفلاس كما حدث مع الأرجنتين وغيرها.

كما تأتي التصريحات قبل أيام من وصول بعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة لإجراء المراجعة الخامسة لما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، على أن يعقب الزيارة إلزام حكومة مصر بتطبيق إجراءات تقشفية جديدة بحق الفقراء ودافعي الضرائب مثل زيادة أسعار الكهرباء والمياه والوقود والأدوية والسلع الرئيسية، وزيادة الضرائب والرسوم وغيرها من الإجراءات العنيفة الواردة في برنامج الصندوق والمتفق عليها مع الحكومة مقابل الحصول على قرض بقيمة ثمانية مليارات دولار.