جيش الاحتلال يستعد لتقطيع إضافي في غزة ويخشى مخاطر المحاور القائمة

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، العمل على تخطيط محاور تقطيع جديدة إضافية داخل مدينة غزة استعداداً لعملية “عربات جدعون 2“، المرحلة المقبلة من حرب الإبادة، رغم تشكيل المحاور القائمة خطراً على حياة جنود الاحتلال، وفق تقارير إسرائيلية. ولفتت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الثلاثاء، إلى أن المحاور القائمة، كان يُفترض أن تكون ورقة تفاوضية من أجل الصفقة، لكنها باتت تشكّل خطراً على جنود الاحتلال.

وتعرُّض مقاتلي لواءي غولاني وكفير لمخاطر يومياً في قلب المنطقة الجنوبية من قطاع غزة، يُعد أحد “الشروط التي وفّرها الجيش الإسرائيلي للمستوى السياسي من أجل صفقة مع حماس“، بحسب ما قاله رئيس الأركان إيال زامير. وبحسب تقرير الصحيفة، في وقت تتزايد مخاطر الموت وتدهور أوضاع المحتجزين في أنفاق “حماس” أسبوعاً بعد أسبوع، ينتظر جنود جيش الاحتلال، الذين يسيطرون على ورقة تفاوضية مركزية في صفقة محتملة، هي محاور التقطيع في خانيونس جنوبي القطاع، ردّ وزراء الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو، الذين يؤخرون الرد على الوسطاء، وذلك بعدما وافقت حركة حماس على مقترح الصفقة.

وكان من المفترض أن ينسحب الجيش الإسرائيلي هذا الشهر، ولو جزئياً، من محوري موراغ وماغين عوز، كجزء من “التنازلات” مقابل الإفراج عن محتجزين، وكانت إسرائيل على وشك تنفيذ هذا القرار قبل نحو ثلاثة أسابيع، عشية انهيار الصفقة. هذه المحاور، التي تمتد على طول نحو 20 كيلومتراً، وأقيمت من الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة ضمن عملية “عربات جدعون”، هي خطوة لم تُعرّف منذ البداية على أنها تهدف إلى حسم عسكري ضد “حماس”، وفق الصحيفة، بل إلى خلق ظروف مناسبة لإبرام صفقة. ورغم أنها صعّبت على “حماس” نقل المقاتلين والأسلحة بين خانيونس ورفح، إلا أن هدفها الاستراتيجي كان مآذارة ضغط عسكري عليها من أجل صفقة، بحيث يكون الانسحاب من هذه المحاور أحد أشكال التبادل مقابل المحتجزين.

ولفتت إلى أن هذا ما فعلته إسرائيل في كانون الثاني/ كانون الثاني من هذا العام، عندما انسحبت من محور نتساريم شمالي قطاع غزة، حينها تم الإفراج عن محتجزين، وانسحب جيش الاحتلال من المحور، واستفادت “حماس” من عودة نحو مليون فلسطيني من جنوب القطاع إلى شماله، وإلى مدينة غزة. وأوضح مسؤولون في المؤسسة الأمنية: “لقد أخذنا هذه المخاطرة عن وعي، لكن الحاجة الأكثر إلحاحاً كانت تحرير المحتجزين، ولذلك كان محور نتساريم منذ البداية ورقة تفاوضية للصفقة، وليس مجرد وسيلة لتطويق مدينة غزة من الجنوب في بداية العملية في تشرين الثاني (تشرين الثاني) 2023”.

وأضاف التقرير أن المحاور الجديدة للتقطيع في خانيونس، “ماغين عوز” الممتد على طول المدينة، و”موراغ” الممتد عرضاً، بين خانيونس ورفح التي دُمّرت تقريباً بالكامل، أطول بأكثر من ضعفي طول محور “نتساريم”، الذي لا يزال مفتوحاً جزئياً، ويُسيطر عليه جيش الاحتلال حتى منتصفه. وأردف أنه للحفاظ على هذه المحاور، لا يكفي وجود مئات الجنود في كل لحظة لتنفيذ مهام دفاعية في “التحصينات” التي تتحول تدريجياً إلى مواقع عسكرية ثابتة، بل يتطلب الأمر أيضاً توسيع هذه المحاور وبناءها من جديد. ويشمل ذلك تعبيد الطرق، نشر بنى تحتية للمعيشة والإقامة الخاصة بالجنود، وإقامة أبراج للاتصالات والمراقبة، وتسوية المباني الفلسطينية بالأرض لمسافة تتراوح بين 300 و400 متر على جانبي المحاور، بهدف تعقيد قدرة المقاومة على مهاجمة هذه المواقع.

وقال ضابط كبير في جيش الاحتلال إنّ “نحو نصف قوات الفرقة منشغلة بمهام دفاعية داخل خانيونس، وليس بالهجوم على أهداف تابعة لحماس”. وسقط عشرات الجنود في المعارك التي دارت في خانيونس خلال الأشهر الأخيرة، وأُصيب المئات، بعضهم على هذه المحاور نفسها. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قُتل الجندي في الاحتياط أريئيل لوبلينر، على ما يبدو بنيران صديقة، في وقت ظل الجنود والقادة يتلقون التوجيهات بأن الهدف من هذه المحاور ليس حسم المعركة ضد “حماس”، بل خلق ظروف مناسبة لإبرام صفقة.

ويدرك الجيش الإسرائيلي المخاطر المرتبطة بالاستمرار في السيطرة على هذه المحاور، وفي قيادة المنطقة الجنوبية، يقولون إن “حماس وضعت نصب أعينها في الأسابيع الأخيرة تنفيذ هجمات على المواقع العسكرية الواقعة على محاور التقطيع، وعلى التحصينات العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة عموماً، وذلك على غرار الهجوم المركّب الذي وقع قبل نحو أسبوع ونصف على موقع تابع للواء كفير في محور ماغين عوز”. وبحسب الصحيفة، ذلك الهجوم الذي نفذه 15 إلى 20 مقاوماً، تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، تضمّن أيضاً خطة لاختطاف جندي، ولولا الإنذار المبكر، يُرجّح أن الحادثة كانت ستنتهي بسقوط قتلى، وليس فقط بإصابات متفاوتة الخطورة بين الجنود.

ورأت الصحيفة أن التمركز الثابت في محاور التقطيع يؤدي أيضاً إلى حوادث تُعقّد موقف إسرائيل دولياً، وتُضعف ما تبقى من شرعيتها في مواصلة القتال ضد “حماس”، من قبيل قصف وحدة من محور “ماغين عوز” مستشفى ناصر في خانيونس، بزعم وجود كاميرا تابعة لـ”حماس” على سطحه تقوم بتوثيق تحركات القوات، ما أسفر عن استشهاد 22 فلسطينياً. وبحسب التقرير، فإن حادثة المستشفى تكشف عن نقطة ضعف إضافية في السيطرة على محاور التقطيع، خاصة في المناطق القريبة من مناطق  النازحين في المواصي، ومراكز توزيع الغذاء.

أما محور صلاح الدين (فيلادلفي)، الذي يمتد على طول 14 كيلومتراً، فهو ليس محور تقطيع، بل يُعد حدوداً بين قطاع غزة وسيناء، ويُسيطر عليه الجيش الإسرائيلي أيضاً، من كرم أبو سالم وحتى شاطئ البحر، منذ أن تم احتلاله قبل عام وثلاثة أشهر، وقد تحول هو الآخر إلى موقع ثابت، وفيه أبراج اتصالات خلوية إسرائيلية، على غرار محور “نتساريم”. وتُعلن دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها ستُبقي سيطرتها على محور فيلادلفي في أي سيناريو، بزعم منع تهريب الأسلحة إلى القطاع.

وتابع التقرير أنه كلما تأخر الرد الإسرائيلي على مقترح الصفقة الحالية، وهو تأخير سيؤثر على بقاء الجنود في محاور التقطيع في خانيونس، ستظل تلوح في الأفق التساؤلات حول الأهداف الحقيقية، الخفية، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو

ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بشأن الحرب، وإن كان الهدف هو إعادة المحتجزين كما أعلنت الحكومة رسمياً في بداية الحرب، أم أن استخدامهم هو وسيلة طويلة الأمد لتحويل محاور التقطيع التي يسيطر عليها الجنود إلى مقدمة لإعادة الاستيطان في قطاع غزة.

وخلص إلى أنه من الناحية النظرية، يُعد ذلك حاجة تكتيكية للقوات خلال الأشهر الطويلة من العملية العسكرية، بهدف عزل مقاتلي “حماس” في مدينة غزة، ومع ذلك، وبالنظر إلى وتيرة المماطلة التي رافقت السياسة الإسرائيلية منذ بداية الحرب، لا يوجد ما يمنع الشك في أن المحاور الجديدة التي ستُقام قد لا تُستخدم فقط كورقة تفاوضية.