انطلقت صباح اليوم الثلاثاء، جولة جديدة من تجنيد عشرات آلاف جنود الاحتياط عشية استعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي، لاحتلال مدينة غزة ضمن عملية “عربات جدعون 2“، التي تشكّل فصلاً جديداً من فصول الإبادة، ووسط مخاوف إسرائيلية من عدم امتثال جزء كبير من الجنود لأسباب مختلفة. ويدخل جزء من حوالي 60 ألف أمر استدعاء للخدمة العسكرية أرسلها الجيش الشهر الماضي حيّز التنفيذ اليوم، ومن المتوقع أن يبدأ نحو 40 ألف جندي احتياط بالتوافد إلى قواعد التدريب.
وحاول جيش الاحتلال في الأيام الأخيرة، استطلاع عدد الجنود الذين سيستجيبون للاستدعاء في الكتائب التي تم تفعيلها، خاصة بعد أن بلغت نسبة الامتثال للخدمة في الجولات السابقة ما بين 60% إلى 70% فقط، مما أدى إلى تقليص المهام العملياتية في مختلف الجبهات، بحسب ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الثلاثاء. وبحسب تقديرات أولية من ضباط احتياط في الجيش، فإن نسبة الاستجابة لن تختلف كثيراً عن الجولات السابقة، ما يثير تساؤلات حول قدرة الجيش على تنفيذ خططه العملياتية بكامل القوة المطلوبة.
من جهتها، لفتت صحيفة هآرتس، إلى أن معظم جنود الاحتياط خدموا مئات الأيام منذ بداية العدوان، في 7 تشرين الأول/ تشرين الأول 2023، والآن يُطلب منهم الالتزام بثلاثة أشهر إضافية من الخدمة، مع احتمال تمديدها لشهر آخر إذا تصاعدت العمليات القتالية. وسيرسل جيش الاحتلال جزءاً كبيراً من القوات التي ستمتثل اليوم، لتنفيذ مهام في الضفة الغربية المحتلة والشمال، حيث سيحلّون محل قوات نظامية. أما الآخرون، فسيُطلب منهم الدخول إلى قطاع غزة.
ويرى عدد من الجنود والقادة في قوات الاحتياط، بحسب ما أوردته “هآرتس”، أن الجولة الحالية من الخدمة تُعد الأصعب بالنسبة لهم حتى الآن؛ من بينهم من دخلوا بالفعل في جولة إضافية من الخدمة، وتم تمديد خدمتهم لأربعين يوماً، وآخرون تم استدعاؤهم دون معرفة موعد تسريحهم. ويشعر كثيرون بصعوبة العودة إلى القتال، خاصة بسبب القلق على حياة المحتجزين الإسرائيليين، وهناك من يصرّح بأنه لا يؤمن بالهدف الذي حددته الحكومة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في جيش الاحتلال، لم تسمّهم، قولهم إن أزمة الثقة بين القيادة الأمنية والمستوى السياسي بدأت تتغلغل إلى صفوف الجيش نفسه. وقد طُلب من القادة في الاحتياط إجراء محادثات مع الجنود وإتاحة المجال لهم للتعبير عن مشاعرهم قبل العودة للقتال. وقال أحد جنود الاحتياط: “نحن نقول ما نشعر به، لكن لا إجابات”. وأضاف: “لا أذكر شعوراً صعباً كهذا من قبل. حتى من خلال الحديث مع القادة، يمكن أن نفهم أننا ندخل حرباً لا يريدها الجيش نفسه… لا علاقة لاحتلال غزة بإعادة المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة) جميعنا نفهم ذلك”.
ويدرك القادة في جيش الاحتلال حجم الضغوط التي يواجهها جنود الاحتياط، ومنهم من صرّح بأن رئيس الأركان إيال زامير، حاول تجنّب عملية تجنيد واسعة النطاق، بل قدّم للمستوى السياسي خططاً عملياتية لا تتطلب تعبئة واسعة، إلا أن اقتراحاته لم تُقبل. وفي الوقت الراهن، يتخوف الجيش من احتمال انخفاض نسبة الاستجابة بين جنود الاحتياط. ويعرف الجيش وفق الصحيفة، كيف “يتلاعب” ببيانات الامتثال للخدمة، ليعرضها بطريقة لا تكشف حجم الغياب في الجولة الحالية، لكن على أرض الواقع، الجميع يدرك مدى تعقيد الوضع.
ونقلت الصحيفة عن أحد جنود الاحتياط، في وحدة تشارك حالياً في القتال، أنه حتى قبل اتخاذ القرار بشأن التجنيد للاحتياط وتمديد الخدمة، كان هناك من طلب عدم المشاركة في هذه الجولة. وأوضح أن القادة أجروا محادثات مع الجنود مسبقاً لمعرفة من يستطيع ومن ينوي فعلياً الحضور. وأضاف: “لكل واحد مشاكله، وفي النهاية هناك قائمة بمن ينوي الوصول. اليوم نحن نعمل بقوة يتكوّن ربعها تقريباً من أشخاص جاؤوا بصفة تعزيزات، أشبه بمرتزقة (المقصود في هذه الحالة جنود من وحدات أخرى)”.
وأوضح الجندي أنه يتعيّن الآن على القادة في هذه الكتيبة إعادة تنظيم لكل القوة، وأن “كل من وصل إلينا ملحقاً سيُطلب منه الآن العودة إلى كتيبته أو وحدته الأصلية. لا يوجد قائد سيتنازل اليوم عن جنوده. هؤلاء الجنود هم مورد ثمين، والقادة يتنافسون على كل جندي يعرف كيف يحمل السلاح. الجيش الإسرائيلي بأكمله في حالة من الفوضى الداخلية. ومع بدء تجنيد هذا العدد الكبير من الألوية والكتائب، سيكون من الضروري إعادة ترتيب الصفوف والعودة إلى البنية المنظمة التي كانت قائمة في 7 تشرين الأول، قبل كل هذه التغييرات”.
يُذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمل على زيادة المعونات والمنح المالية والمزايا لجنوده، خاصة جنود الاحتياط، في محاولة لتشجيعهم على الامتثال للخدمة العسكرية، عشية اجتياح مدينة غزة. ومن المتوقّع أن تُدخل عملية “عربات جدعون 2” إلى حسابات الجنود المشاركين، المقاتلين منهم بخاصة، مبالغ قد تصل إجمالاً إلى عشرات آلاف الشواكل، وذلك بالإضافة إلى المنح القائمة حالياً، بحيث ينفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل موسّع قرار الحكومة الصادر مطلع العام، والذي يزيد التعويضات المالية إلى مستويات غير مسبوقة، على حدّ تعبير “يديعوت أحرونوت”، أمس الاثنين، بهدف تشجيع جنود الاحتياط على الانضمام، وتقليص التراجع في نسب الامتثال للخدمة العسكرية، ما دفعها لاستخدام وصف “عربات المال” على كل هذا الدعم.