دخلت الأزمة بين مصر وبريطانيا مرحلة جديدة، بعد إعلان السفارة البريطانية في القاهرة، أول من أمس الأحد، عن إغلاق مبناها الرئيسي في القاهرة مؤقتاً عقب إزالة الحواجز الخرسانية التي كانت تحيط بمقرها منذ سنوات، في خطوة وصفتها بأنها تستدعي مراجعة إجراءاتها الأمنية. وجاء الإغلاق متزامناً مع تصاعد الجدل السياسي في القاهرة حول الضغوط الأمنية وملف حقوق الإنسان، لا سيما بعد توقيف الشاب المصري أحمد عبد القادر في لندن. وكانت الشرطة البريطانية قد ألقت القبض، الأسبوع الماضي، على عبد القادر المعروف بعلاقاته القوية مع قيادات أمنية بارزة وفي الأوساط المصرية في أوروبا، بعد اتهامات بتهديد ناشط آخر تظاهر أمام السفارة المصرية في لندن، ما استدعى تدخلاً فورياً من وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لدى السلطات البريطانية للإفراج عنه. لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، إذ شهدت القاهرة خلال الأيام الماضية تحركات من حزب “الجبهة الوطنية”، المقرب من الأجهزة السيادية، طالب فيها علناً بإزالة الحواجز الخرسانية من أمام السفارة البريطانية في غاردن سيتي بالقاهرة. واعتبر الحزب أن وجود هذه الحواجز “يمثل عائقاً أمام حركة المرور ويمنح السفارة وضعاً استثنائياً لا مبرر له”.
أسئلة حول علاقات مصر وبريطانيا
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة، لـ”العربي الجديد”، إن إغلاق السفارة البريطانية في القاهرة قد يكون إجراءً احترازياً مؤقتاً جاء ردة فعل على إزالة الحواجز الخرسانية المحيطة بمبناها، خصوصاً في ظل غياب أي تعليق رسمي سواء من وزارة الخارجية المصرية أو من الجانب البريطاني. لكنه أشار إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تحمل دلالات سياسية أعمق، إذ قد تعكس حالة من التوتر في العلاقات الثنائية أو رغبة من الجانب المصري في توجيه رسالة سياسية محددة. وأضاف أن الأمر قد يرتبط بخلافات قائمة حول ملفات حساسة، مثل حقوق الإنسان أو العلاقات التجارية، وهو ما قد يدفع القاهرة إلى استخدام هذا النوع من الإجراءات أداة ضغط دبلوماسي. وأوضح سلامة أن عدم صدور تصريحات رسمية من الجانبين يزيد من مساحة التأويل، لافتاً إلى وجود تحليلات ترى أن الخطوة المصرية ربما تحمل رسالة ضمنية مؤداها أن بريطانيا لم تعد بحاجة إلى هذه التدابير الأمنية المبالغ فيها حول سفارتها في القاهرة.
أيمن سلامة: الأمر قد يرتبط بخلافات قائمة حول ملفات حساسة، مثل حقوق الإنسان أو العلاقات التجارية
من جهته، قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير حسين هريدي، لـ”العربي الجديد”، إن مثل هذه الإجراءات تُتخذ عادة في إطار من التنسيق والتعاون بين دولة الاعتماد والسفارات المعنية. وأوضح أن تعديل أو تغيير الترتيبات الأمنية الخاصة بالسفارات الأجنبية ينبغي أن يتم عبر التشاور المسبق والتنسيق الكامل مع تلك السفارات، وذلك بعد التوافق على تقييم مشترك لطبيعة التهديدات الأمنية المحتملة التي قد تتعرض لها.
معاملة بالمثل؟
أما السفير السابق معصوم مرزوق، فقال لـ”العربي الجديد”، إن قرار إزالة الحواجز أو الإبقاء عليها شأن سيادي مصري خالص، ولا يتعارض مع أي قاعدة من قواعد القانون الدولي. وأضاف مرزوق أن المقلق في المشهد ليس الإجراء ذاته إنما التصعيد الإعلامي أحادي الجانب، وما يصاحبه من شحن سياسي وإعلامي قد يخلق تهديدات أمنية بدلاً من أن يسهم في معالجتها، تحت شعارات من قبيل “الوطنية” أو “المعاملة بالمثل”. وختم قائلاً إن ما قامت به السلطات المصرية لن يؤثر جوهرياً على العلاقات الثنائية مع بريطانيا، خصوصاً إذا كان قد جرى في إطار تنسيق وتفاهم متبادل، مشدداً على أن إدارة الملف بهدوء وبعيداً عن المبالغة الإعلامية كفيلة بالحفاظ على مسار العلاقات بين البلدين.
معصوم مرزوق: ما قامت به السلطات المصرية لن يؤثر جوهرياً على العلاقات الثنائية مع بريطانيا
بدوره، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ”العربي الجديد”، إن المسألة المثارة حالياً بين مصر وبعض الدول، ومنها بريطانيا، تتعلق أساساً بمبدأ المعاملة بالمثل في حماية السفارات. وأوضح أن مصر وفّرت للسفارة البريطانية في القاهرة إجراءات حماية استثنائية على مدى سنوات، شملت إغلاق الشارعين المحيطين بها بالمتاريس والحواجز، ونشر قوات الشرطة على مدار 24 ساعة، رغم ما سببه ذلك من معاناة للسكان وأصحاب المحال التجارية في الحي الواقع فيه مقر السفارة، حتى باتوا يعيشون “وكأنهم في معسكر”. وأضاف أن بريطانيا، في المقابل، لم توفر الحماية الكافية للسفارة المصرية في لندن، بل تركت مقرها عرضة لاعتداءات المتظاهرين، بل واعتداء الشرطة البريطانية نفسها على بعض أفراد الجالية المصرية الذين حاولوا الدفاع عن سفارتهم. واعتبر رخا أن ردة فعل السفارة البريطانية بتقليص عملها جاء مبالغاً فيه وغير مبرر، مشيراً إلى أن تطبيق المعاملة بالمثل هو إجراء بروتوكولي وقانوني لا يمس جوهر العلاقات المتنوعة بين البلدين.
وبريطانيا أحد أهم الشركاء الأوروبيين لمصر على الصعيدين التجاري والاستثماري. وبحسب بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، تتجاوز حجم الاستثمارات البريطانية في مصر 50 مليار دولار، موزعة على قطاعات رئيسية مثل الطاقة، النفط والغاز، الخدمات المالية، الاتصالات، والصناعات الغذائية. وتحتل الشركات البريطانية موقعاً متقدماً بين أكبر المستثمرين الأجانب في السوق المصري، فيما تمثل مصر سوقاً واعداً للشركات البريطانية الباحثة عن التوسع في أفريقيا والشرق الأوسط. إلى جانب ذلك، تعد بريطانيا من أبرز الوجهات للمصريين في مجالات التعليم العالي، إذ تستقطب الجامعات البريطانية آلاف الطلاب المصريين سنوياً، فضلاً عن التعاون الأمني في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.