كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن وجود ما وصفتها بـ”خطة دقيقة إلى حدّ ما” لإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، وذلك في إطار ترتيبات ضمانات أمنية قد تُطرح في حال التوصل إلى اتفاق سلام محتمل بين كييف وموسكو. وفي مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، قالت فون ديرلاين، إن التحضيرات تتمّ ضمن ما يُعرف بـ”تحالف الراغبين”، وهو تكتل يضم أكثر من 30 دولة، منها دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، إلى جانب دول غير منضوية في الاتحاد الأوروبي كالنرويج والمملكة المتحدة.
وأضافت فون ديرلاين: “لدينا خريطة طريق واضحة، وهناك اتفاق مع البيت الأبيض بشأن الخطوات المقبلة”. ووصفت التنسيق بين الأوروبيين والولايات المتحدة بأنه بمثابة “شبكة أمان”، مشيرة إلى أن الأوروبيين سيتصدرون مشهد الضمانات، بينما سيكون الأميركيون “في المرتبة الثانية”.
تحالف مرن.. خارج مظلة الاتحاد الأوروبي
توضّح فون ديرلاين أن إرسال قوات إلى أوكرانيا لا يتم بقرار موحد من الاتحاد الأوروبي، بل يعود إلى سيادة كل دولة على حدة، إذ إن “نشر الجنود هو قرار سيادي لكل برلمان وطني”. وتتطلب المشاركة عودة الدول الراغبة إلى برلماناتها الوطنية للحصول على موافقة مشرعيها على هذه المشاركة. ويقوم التصور الأوروبي على أن يشكل “تحالف الراغبين” نواة هذه القوات، وهو تحالف غير رسمي، لكنه يعبّر عن تقارب سياسي وأمني بين دول مستعدة لتحمّل كلفة الانتشار في أوكرانيا بعد الحرب، بهدف ضمان استقرار الاتفاق، وردع أي تصعيد روسي مستقبلي. وقد جاءت هذه التصريحات بعد مطالبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال الأسابيع الأخيرة بضمانات غربية قوية مقابل الدخول في مفاوضات جادة حول وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام طويل الأمد.
ووفق ما نقلته “فايننشال تايمز”، فإن لقاءً جمع الرئيس زيلينسكي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعدداً من القادة الأوروبيين في واشنطن الشهر الفائت، جرى خلاله الاتفاق على نموذج تقاسم المسؤوليات الأمنية، بحيث تتصدر أوروبا الجبهة، وتلعب واشنطن دوراً داعماً من الخلف بحيث تكون أوروبا في “خط الدفاع الأول”. وأيّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا التوجه، مؤكداً أن “أوروبا ستكون خط الدفاع الأول في أي اتفاق ضمانات لأوكرانيا”، لكنه شدد على أن واشنطن “لن تتخلى عن التزاماتها”، بل ستشارك في توفير الحماية ضمن هيكل دولي أوسع.
الكرملين يرد: خط أحمر وأوروبا تُفشل خطط ترامب للسلام
في المقابل، أثارت هذه التصريحات غضب الكرملين، الذي اعتبر أن التحرك الأوروبي بقيادة فون ديرلاين يُقوّض المساعي الأميركية للتوصل إلى اتفاق سلام. وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في تصريحات نقلتها وكالة رويترز أمس، إن “الضمانات الأمنية التي تحدثت عنها أوروبا ستجعل من المستحيل تنفيذ خطط دونالد ترامب لإحلال السلام”. وأكد بيسكوف أن روسيا “مستعدة لحل النزاع بالطرق السياسية والدبلوماسية”، لكن غياب أي تجاوب من كييف، حسب قوله، يجعل موسكو مستمرة في عمليتها العسكرية الخاصة. وأضاف:”حتى الآن، لم نر أي مؤشرات من الجانب الأوكراني على رغبة في التفاوض. وسنواصل عملياتنا طالما بقي الوضع على حاله”.
وكان بيسكوف قد جدّد في وقت سابق موقف بلاده الرافض لأي وجود لحلف شمال الأطلسي (الناتو) داخل الأراضي الأوكرانية، واصفاً ذلك بأنه “أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت موسكو لخوض الحرب”. وشدد على أنه “يمكن القول إن التوغل المتزايد للبنية التحتية العسكرية للناتو داخل أوكرانيا هو من الأسباب الجذرية لهذا الصراع”. إجمالا، بينما تعكف أوروبا والولايات المتحدة على إعداد ترتيبات أمنية طويلة الأمد لأوكرانيا، وتستعد لمرحلة “ما بعد الحرب”، ترى موسكو أن هذه المبادرات تشكل عائقاً أمام أي حل سلمي محتمل. وتبقى ساحة الصراع مفتوحة على احتمالات التصعيد، في ظل تباين الرؤى بين الغرب وروسيا حول “كيفية صناعة السلام”.