التشديد الأمني قبل الاستعراض العسكري بـ”يوم النصر” يزعج سكان بكين

مع اقتراب احتفال الصين بالذكرى الـ80 ليوم النصر؛ ضد ما تسميه “العدوان الياباني”، باستعراض عسكري في الثالث من أيلول/أيلول المقبل، تشهد بكين إجراءات أمنية مشددة، تزعج بعض السكان. فقد نُصبت حواجز وأجهزة تفتيش أمنية حول المتاجر الكبرى ووجهات التسوق الرئيسية، ما يفرض على الزوار في تلك المناطق الخضوع للتفتيش الشخصي وفحص أمتعتهم بالأشعة السينية، فيما يسمح بالدخول فقط من خلال الأبواب المزودة بأجهزة أمنية، بينما يحرس موظفو الأمن المخارج. بالإضافة إلى ذلك، تخضع عمليات البريد والتوصيل السريع الداخلة إلى بكين، خلال الاستعدادات لإقامة استعراض “يوم النصر” لضوابط أكثر صرامة، وبحسب مكاتب البريد فإنه حتى الثالث من أيلول، لن تُقبل أي شحنات تحتوي على مصادر طاقة أو بطاريات متجهة للمدينة.
في محطات المترو الرئيسية أيضاً، ارتفع عدد الركاب الذين يخضعون لتفتيش هوياتهم، أما من لا يحملون بطاقات هوية، فيخضعون لاستجواب شفهي والتحقق من هوياتهم عبر تقنية التعرف إلى الوجه. إلى جانب ذلك، فإنه للأسبوع الثالث على التوالي، تغلق الطرق القريبة من ميدان تيانانمين، وسط بكين، خلال عطلة نهاية الأسبوع (السبت والأحد) لإجراء بروفات استعراض “يوم النصر” والذي من المقرر أن ينظم على طول شارع تشانغآن، وهو شارع رئيسي كبير يمر عبر ميدان تيانانمين. شوهدت أيضاً خلال الأيام الماضية عمليات شحن معدات أمنية جديدة إلى محطات السكك الحديدية عالية السرعة في المدينة، إضافة إلى تكثيف الانتشار الواسع لعناصر الأمن على امتداد ممرات المشاة والجسور، وفي الساحات العامة.

ويأتي استعراض “يوم النصر” الأكبر من نوعه خلال السنوات الأخيرة، الأربعاء المقبل، ضمن الفعاليات التي ستقام بمناسبة الذكرى الـ80 لانتصار الصين، في ما تسميها “حرب المقاومة ضد العدوان الياباني” خلال الحرب العالمية الثانية، فيما تسميها وكالة شينخوا الرسمية الصينية، ذكرى “الانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية”. وقُتل ملايين الصينيين خلال حرب طويلة مع اليابان الإمبراطورية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر في 1941 أصبح النزاع الصيني-الياباني جزءاً من الحرب العالمية الثانية وانتهى بانتهائها.

كيم وبوتين يحضران استعراض “يوم النصر”

ومن المقرر أن يحضر استعراض “يوم النصر” في بكين، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وسيحضر أيضاً الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو وعدد من زعماء جنوب شرق آسيا. وقال مساعد وزير الخارجية الصيني هونغ لي، في مؤتمر صحافي صباح أمس الخميس، إن كيم سيحضر استعراض “يوم النصر” إلى جانب 25 رئيس دولة وحكومة آخرين.

ستكون هذه أول زيارة للزعيم الكوري الشمالي إلى الصين منذ كانون الثاني/ كانون الثاني 2019

وستكون هذه أول زيارة للزعيم الكوري الشمالي إلى الصين منذ كانون الثاني/ كانون الثاني 2019 حين زارها لإجراء محادثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وقالت شرطة العاصمة في إشعار نشرته على موقعها الإلكتروني، إنه “خلال فترة السيطرة (الإجراءات الأمنية)، ستحاول سلطات المرور تقليل مدة القيود، وتقليل التأثير على حركة المرور قدر الإمكان”. كما نشرت السلطات الصينية في عدد من مقاطعات البلاد، إشعارات متزامنة بشأن فرض عمليات تفتيش أمنية مزدوجة على جميع الركاب الذين يستقلون القطارات فائقة السرعة المتجهة إلى بكين.

تذمر شعبي

يقول لي يانغ، وهو موظف في شركة أدوية بالعاصمة، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه منذ منتصف شهر آب/آب الحالي، نواجه يومياً عمليات تفتيش مستمرة ومتكررة عند استخدام مترو الأنفاق في الذهاب إلى العمل، مؤكداً أن هذه الإجراءات تسببت في إطالة المدة الزمنية للوصول إلى مكان العمل. ويوضح أنه كان الأمر يستغرق حوالي 25 دقيقة، بينما الآن “أحتاج إلى حوالي ساعة كاملة، ما يجعلني اضطر للاستيقاظ مبكراً كي أصل في الوقت المحدد إلى الشركة”. عدا عن ذلك هناك أماكن حيوية أصبح من الصعب الوصول إليها لأنها قريبة من ميدان تيانانمين، إذ تحولت تلك الأماكن إلى مربعات أمنية مغلقة، يجد سكانها صعوبة في الدخول أو الخروج منها. حتى الشركات الواقعة في تلك المناطق أقفلت أبوابها بصورة مؤقتة، ومنحت موظفيها إجازة غير مدفوعة إلى حين انتهاء استعراض “يوم النصر”.

شياو شينغ: الإجراءات والإغلاق في بكين ستكبدني خسائر كبيرة

من جهتها، تقول شياو شينغ، وهي صاحبة متجر لأدوات التجميل في منطقة تشاويانغ ببكين، في حديث مع “العربي الجديد”، إنها تلقت إشعارا هي وجميع أصحاب المتاجر المطلة على شارع تشانغآن، بإغلاق المنطقة حتى الثالث من أيلول. وتؤكد أن “هذا بطبيعة الحال سيكبدني خسائر كبيرة لأني مطالبة بدفع إيجار المحل ورواتب الموظفين بالرغم من عدم وجود أي دخل مادي خلال هذه المدة التي ستستمر أسبوعين”. وتلفت إلى أنها كانت تفكر بصورة جدية في مغادرة العاصمة خلال فترة الإغلاق، لكن الضغط الكبير على المطارات ومحطات القطارات نظراً لمغادرة نسبة كبيرة من الشباب باتجاه مدن صينية أخرى، جعلها تصرف النظر عن الفكرة، بالإضافة إلى أن أسعار تذاكر السفر ارتفعت بشكل كبير أيضاً، فيما حال الازدحام المروي بسبب القيود المشددة دون ذلك.

نقل أسلحة ثقيلة

في تعليقه على الإجراءات المصاحبة لهذا الاستعراض العسكري في بكين، يقول الأستاذ في جامعة صن يات سن، ليو تشوان، إن “الأصل في هذه الإجراءات هو حماية السكان، لأننا نتحدث عن استعراض عسكري ضخم، ونقل أسلحة ثقيلة إلى مناطق مأهولة”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هذا يستدعي اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر”. وتعمل السلطات، وفق صن يات سن، “بشفافية في شرح ذلك للسكان، وتبذل جهداً كبيراً في تجنب إزعاج الناس وتقليل الاضطرابات الناجمة عن ذلك إلى الحد الأدنى”، لافتاً إلى وجود “تفهم وتعاون كبيرين من السكان”. وفي رأيه “حالة التذمر عادة ما تكون فردية من بعض الذين تمس مثل هذه الإجراءات مصالحهم الخاصة”.

وكانت وسائل إعلام صينية قد ذكرت في وقت سابق من الشهر الحالي، أن الذكرى الـ80 لانتصار الصين على اليابان في الحرب العالمية الثانية تهدف إلى إظهار قوة جيش التحرير الشعبي وتضامنه، وأنه في الثالث من أيلول المقبل، ستصبح خطوات الصين نحو بناء جيش من الطراز العالمي بحلول منتصف القرن، أكثر وضوحاً، عندما تعرض بكين أحدث أسلحتها خلال الاستعراض العسكري. وأشارت وسائل الإعلام إلى أنه مرت ثماني سنوات منذ أن حدد الرئيس الصيني شي جين بينغ هدف بناء جيش عالمي المستوى بحلول 2027، وهو الهدف الذي يفهم منه أنه يضع الجيش الصيني على قدم المساواة مع جيش الولايات المتحدة.