التجنيد التعسفي وفساد مراكز التعبئة يثيران امتعاض الأوكرانيين

مع إطالة أمد الحرب في أوكرانيا وحاجة القوات المسلحة الأوكرانية إلى أعداد متزايدة من المقاتلين، يشعر عدد كبير من المواطنين بالاستياء من إجراءات التجنيد التعسفية التي تتخذها مراكز التعبئة الإقليمية، وسط انتشار مقاطع فيديو تظهر نصب كمائن بالشوارع لاصطياد المتهربين من التعبئة، وكذلك مناوشات وحتى اشتباكات بين القائمين على اللجان وأهالي الأشخاص المطلوبين للتعبئة.

وفي بداية آب/ آب الجاري، حاول محتجون في مدينة فينيتسا الواقعة في وسط أوكرانيا اقتحام ملعب لوكوموتيف لتحرير نحو مائة رجل خطفهم أفراد مركز التعبئة الإقليمي، كما تمكن أهالي وزوجات المُراد تجنيدهم من كسر بوابة الملعب. إلا أن القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أولسكندر سيرسكي دافع عن استمرار التجنيد، معتبراً أن “كييف ليس أمامها خيار آخر سوى مواصلة التعبئة والارتقاء بمستوى التدريب القتالي وتعزيز مكوّن المسيّرات”.

يُضاف إلى ذلك استمرار حظر سفر الذكور الأوكرانيين فوق 18 عاماً من دون تصريح خاص. وفي محاولة للحد من غضب الأوكرانيين، وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في وقت سابق من آب الجاري، طلباً إلى الحكومة لرفع سن السفر إلى 22 عاماً، علماً أن سن التعبئة في أوكرانيا يبدأ حالياً من 25 عاماً. ومع ذلك، أوضحت الرادا العليا (البرلمان الأوكراني) أن تخفيف قيود السفر سيقتصر على طلاب الجامعات الأجنبية من حملة الدعوات الرسمية والتأشيرات الدراسية.

تُقابل ذلك فضائح فساد تنفجر بين فترة وأخرى، وتتهم رؤساء مراكز التعبئة. ولعلّ آخر حلقاتها سفر موظف سابق بمركز التعبئة الإقليمي بمقاطعة لفيف، غربي أوكرانيا، إلى إسبانيا، وتداوله صوراً تظهر اتّباعه نمط حياة يتّسم بدرجة عالية من الرفاهية وركوب اليخوت، بما لا يتناسب مع وضع مسؤول عن تجنيد الشباب للقتال على الخطوط الأمامية.

الصورة

يبدي أوكرانيون استياءهم من التجنيد التعسفي، أوكرانيا، 18 آب 2025 (أندريه لويس ألفيس/ الأناضول)

يبدي أوكرانيون استياءهم من التجنيد التعسفي، أوكرانيا، 18 آب 2025 (أندريه لويس ألفيس/ الأناضول)

يوضح الباحث المتخصص في الشؤون الأوكرانية المتعاون مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي قسطنطين سكوركين أن مراكز التعبئة الإقليمية هي منظومة لتسجيل وتعبئة المطلوبين للخدمة العسكرية، حلّت منذ عام 2022 مكان لجان التجنيد الموروثة من حقبة الاتحاد السوفييتي، يجري تشكيلها بواسطة وزارة الدفاع وتخضع للقوات البرية الأوكرانية، رابطاً استياء عدد كبير من الأوكرانيين بتزايد مظاهر البيروقراطية والفساد ونطاق التجاوزات.

ويقول سكوركين لـ”العربي الجديد”: “ورثت مراكز التعبئة الكثير من منظومة التجنيد السوفييتية، وتتخللها مظاهر البيروقراطية والفساد والثغرات والتجاوزات، ولا سيما في زمن الحرب، إذ عندما يزداد عدد الراغبين بالتهرب من أداء الخدمة العسكرية، تنهار مقاومة بعض الضباط أمام فرصة تقاضي الرشاوى. يثير ذلك استياء الأوكرانيين الذين يرون أن البعض يتفادون التعبئة عبر دفع رشوة، بينما يصطادون آخرين في الشوارع ويصطحبونهم إلى مراكز التجنيد بالإجبار”. 

ويوضح أن أعمال مراكز التعبئة تفاقم حالة الانقسام بالمجتمع الأوكراني، ويضيف: “التعبئة العامة في أي دولة لا تحظى بشعبية بين السكان. خلال أول عامين من الحرب، جرى تجنيد جميع الأفراد المدربين والراغبين بالقتال، واليوم جاء دور تجنيد الأشخاص الأقل عزيمة أو الذين لا يرغبون إطلاقاً بالقتال وترك عائلاتهم وتعريض أرواحهم للخطر. ويخلق ذلك حالة من التوتر والانقسام بين من يتعاطف مع المتهربين من التجنيد، ومن يعتبرهم جبناء لا يريدون الدفاع عن الوطن”. 

ويقرّ سكوركين بصعوبة حل مشكلة التعبئة في أوكرانيا، إذ “يحتاج الجيش إلى مزيد من الأفراد في ظل استمرار التقدم الروسي وتزايد الخسائر، وهناك عسكريون لا يزالون على الجبهة منذ عامين بلا تناوب، ما يعني أن التعبئة الصارمة ستستمر، وإن كان زيلينسكي لا يجرؤ حتى الآن على تعبئة الفتيان دون 25 عاماً، تجنباً لغضب المجتمع، مع السماح لهذه الفئة العمرية بالتعاقد مع الجيش طوعاً حصراً”.

يقلّل المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف مكسيم يالي من دقة المزاعم بشأن اتساع نطاق تجاوزات مراكز التعبئة، ويقول لـ”العربي الجديد”: “هناك حالة من الغضب، لكن يجب الإقرار بأن الحوادث الأكثر إثارة للضجة، والمرتبطة بالتجنيد بالقوة، تُعد فردية”، ويرى أن المجموعات الموالية لروسيا ساهمت بترويج مقاطع الفيديو بعد انتشارها، ما خلق انطباعاً بأنها ظاهرة واسعة النطاق، علماً أن نسبتها غير كبيرة قياساً بنسبة الذين تتم تعبئتهم أو يُستدعون لتحديث البيانات”.

وكانت أوكرانيا قد تعرضت في نهاية العام الماضي لضغوط آذارتها الولايات المتحدة الأميركية بغية خفض سن التعبئة العسكرية بين الذكور من 25 إلى 18 عاماً، لسد نقص الأفراد على الجبهة، لكن هذا المطلب قوبل بالرفض من زيلينسكي، خصوصاً أن كييف سبق أن خفّضت عام 2024 سن التعبئة من 27 إلى 25 عاماً دون أن يُحدث ذلك فارقاً في أرض المعركة، وسط استمرار تقدم القوات الروسية.
وكان السفير الأوكراني لدى بريطانيا، القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، قد كشف في تشرين الأول/ تشرين الأول من العام الماضي، أنه عارض خفض سن التعبئة حتى إلى 25 عاماً، وقال خلال لقاء مع طلاب أوكرانيين في لندن، إنه يجب الحفاظ على أبناء الشريحة العمرية بين 18 و25 عاماً “بأقصى درجة ممكنة” من أجل أوكرانيا في مرحلة ما بعد 20 أو 30 عاماً.