تراجعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع، في ظل وفرة المعروض العالمي التي غلبت على مؤشرات الطلب القوي، لتؤكد الأسواق الزراعية مجدداً هشاشتها أمام أي تغير في موازين الإنتاج العالمي. ويأتي هذا الانخفاض مدفوعاً بتحسن توقعات المحاصيل في أكبر الدول المصدّرة. ورفعت شركة الاستشارات الزراعية IKAR هذا الأسبوع تقديراتها لمحصول روسيا، التي تُعدّ أكبر مصدّر للقمح عالميا، مع اقتراب موسم الحصاد من نهايته. وفي المقابل، عزّزت الأمطار الغزيرة في أستراليا التوقعات بإنتاج وفير، الأمر الذي زاد من الضغوط على الأسعار. كما سبق للمجلس الدولي للحبوب (IGC) أن رفع في وقت سابق من آب/آب توقعاته للإنتاج العالمي خلال موسم 2025-2026.
ونقلت بلومبيرغ عن كبير محللي الحبوب في “هايتاور ريبورت”، راندي بليس، إن “العالم يتمتع حالياً بوفرة في مناطق عديدة، ما يجعل المشترين أقل اعتماداً على السوق الأميركية”، مضيفاً أن “الطلب جيد في السوق المحلي الأميركي، لكنه غير كافٍ لمعادلة هذه الكميات الكبيرة المتاحة عالمياً”. وفي التداولات، هبطت عقود القمح لشهر كانون الأول/ كانون الأول في شيكاغو بنسبة 1.5% خلال جلسة الأربعاء، وهو أكبر تراجع يومي منذ الخامس من آب/ آب، لتسجّل 5.2475 دولارات للبوشل (Bushel) عند الساعة 10:44 صباحاً بالتوقيت المحلي، علماً أن بوشل القمح يساوي 60 رطلاً أو حوالي 27.2 كيلوغراماً.
كما انخفضت عقود القمح في كانساس سيتي بالقدر نفسه تقريباً، بعد هطول أمطار وفيرة في السهول الجنوبية الأميركية عززت آفاق الموسم الزراعي المقبل، ودَفعت الأسعار نحو مستويات متدنية جديدة. ورغم هذا التراجع، سجّلت الصادرات الأميركية منافسة قوية في الأسواق العالمية، حيث ارتفعت عمليات التفتيش على شحنات القمح المعدّة للتصدير بنسبة 71% في الأسبوع المنتهي في 21 آب مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية (USDA).
أما في أسواق السلع الأخرى، فقد تراجعت أسعار الذرة بنسبة 0.8% إلى 4.0625 دولارات للبوشل، في حين ارتفعت أسعار فول الصويا بنسبة 0.2% لتسجل 10.5125 دولارات للبوشل، علماً أن بوشل الذرة يناهز 25.4 كيلوغراماً، وبوشل فول الصويا 27.2 كيلوغراماً، علماً أن البوشل هو وحدة قياس للحبوب والبذور في الولايات المتحدة، لكنه ليس وزناً ثابتاً بل وحدة حجم، ويتحوّل إلى وزن مختلف حسب نوع المحصول. وبينما يرى خبراء أن السوق أمام مرحلة من الضغط السعري بفعل الإمدادات الوفيرة، فإن وتيرة الطلب العالمي خلال الأشهر المقبلة ستبقى العامل الحاسم في تحديد اتجاهات الأسعار.
ويُعتبر القمح من أكثر السلع الزراعية تأثيرا على الأمن الغذائي العالمي، إذ يشكل مصدراً رئيسياً للغذاء لأكثر من 2.5 مليار إنسان حول العالم. وتؤدي تقلبات أسعاره إلى انعكاسات مباشرة على كلفة المعيشة في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، لا سيما في البلدان المستوردة بشكل كبير من روسيا وأوكرانيا وأستراليا والولايات المتحدة. وعندما تتراجع الأسعار، تستفيد الدول المستوردة عبر تقليص فاتورة الغذاء وتخفيف الضغوط التضخمية، إلا أن استمرار الانخفاض قد يُضر بالمزارعين المحليين ويهدد استدامة الإنتاج. في المقابل، يؤدي ارتفاع الأسعار، كما حدث في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، إلى موجات تضخم غذائي واحتجاجات اجتماعية في عدد من الدول النامية.
وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن القمح يشكّل نحو 20% من إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة عالمياً، ما يجعل استقراره عاملاً أساسياً في تحقيق التوازن بين العرض والطلب الغذائي عالميا. ومن هنا، فإن أي زيادة أو وفرة في المعروض العالمي لا تُقرأ فقط على أنها مؤشر اقتصادي في الأسواق المالية، بل عامل مباشر يحدد أمن الغذاء العالمي واستقرار المجتمعات.