نظّم الاتحاد الوطني للصحافيين وقفة احتجاجية أمام مقر رئيس الحكومة البريطانية داونينغ ستريت في لندن، مساء الأربعاء، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصحافيين الفلسطينيين، وذلك في أعقاب استشهاد عدد من صحافيي غزة في الأسبوعين الماضيين.
حمل المشاركون بطاقات تُخلّد ذكرى 246 زميلا وزميلة لهم استشهدوا غزة جراء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وقرأوا أسماءهم بصوت عالٍ بشكل متواصل لمدّة نصف ساعة أمام مقر الحكومة البريطانية.
أقيمت الوقفة الاحتجاجية بعد تسليم ممثلي نقابة الصحافيين المستقلين في لندن، رسالة إلى مقرّ رئاسة الوزراء البريطانية، تتضمن مطالب وأسئلة رئيسية لرئيس الوزراء كير ستارمر. ووقّع على الرسالة مئات الصحافيين الذين شارك معظمهم في هذه الوقفة. ومن الأسئلة التي وُجّهت رسمياً لستارمر باسم فرع لندن للاتحاد الوطني للصحافيين الذي يمثل أكثر من ثلاثة آلاف صحافي مستقل:
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم لضمان قدرة الصحافيين الفلسطينيين الناجين في غزة على مواصلة عملهم؟
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم لضمان حصول الصحافيين الفلسطينيين الناجين في غزة، إلى جانب بقية السكان، على وصول آمن وفوري إلى الغذاء والماء والمعدات اللازمة؟
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم لضمان قدرة الصحافيين غير الفلسطينيين على دخول غزة للعمل الصحافي إلى جانب زملائهم الفلسطينيين، وتمكينهم من العمل بحرية واستقلالية، وعدم اشتراط وجودهم في القطاع أو خضوعهم لأي إشراف؟
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم لدعم تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الاستهداف الصارخ للصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام من قبل القوات الإسرائيلية؟
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم للاحتفال باليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، وهو يوم دولي تُقره الأمم المتحدة، ويُحتفل به سنوياً في الثاني من تشرين الثاني/ تشرين الثاني لتسليط الضوء على استمرار ارتفاع مستوى الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في جميع أنحاء العالم؟
- ما هي الخطوات التي ستتخذها حكومتكم لضمان إقرار اتفاقية مُلزمة للأمم المتحدة بشأن سلامة واستقلال الصحافيين وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام؟
دعوات لمواصلة التحرك
خلال الوقفة، أرسل الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح رسالة صوتية مسجلة حيّا فيها المشاركين، ودعا إلى الاستمرار في التحرك لأجل الصحافيين والشعب الفلسطيني في غزة. وقال الدحدوح: “التزاماً بمواثيق الشرف التي التزمتم بها، قوموا بكل ما تستطيعون به لأجل زملائكم في قطاع غزة ومن أجل الإنسانية في قطاع غزة ومن أجل المجاعة والإبادة في غزة”.
وأضاف: “الحكومة البريطانية ورئاسة الوزراء والبرلمان البريطاني والنخب والنقابات، كل شخص منكم يستطيع أن يقوم بالعديد من المهمات التي من شأنها مهما كانت بسيطة، أن تؤدي إلى وقف أخطر مجاعة وإبادة شهدها العصر”.
وشاركت الصحافية البريطانية سانجيتا ميسكا التي استبعدت من العمل في قناة إل بي سي، العام الماضي، بعد استجوابات حادة لمسؤول إسرائيلي على الهواء، وقالت في كلمتها: “قتلت إسرائيل عدداً غير مسبوق من الصحافيين الفلسطينيين، وشُوّهت سمعة العديد منهم من قبل إسرائيل وأنصارها، وتكرّرت ادعاءات كاذبة بلا نهاية من قبل ما يسمى بمنافذ الأخبار المرموقة عبر التلفزيون والإذاعة والصحف والمواقع الإلكترونية مع القليل من الرد أو بدون تحذير، مما أعطى مصداقية للدعاية الإسرائيلية”، وذلك في إشارة إلى نشر الرواية الإسرائيلية دون تدقيق بعد اغتيال الصحافيين الفلسطينيين.
وأضافت: “موت الصحافيين الفلسطينيين ليس فقط قصة شخصية للأفراد، بل هو موت للصحافة. إذ لم تُحاسب إسرائيل على أفعالها في عدم حماية الصحافيين في غزة بموجب القانون الدولي، فهذا يعني أن المجتمع الدولي يعطي الضوء الأخضر لكل دولة حول العالم بأنه يمكن قتلنا كصحافيين دون عقاب لمجرد قيامنا بوظائفنا”.
تخليد ذكرى صحافيي غزة
من جهته، قال الصحافي الفلسطيني أحمد الناعوق في كلمته أمام الحضور: “تخيلوا لو أن دولة أجنبية قدمت لاحتلال بريطانيا لتدمر مبانيكم وتقتل شعبكم وترتكب إبادة جماعية، وتدمر المنازل والمستشفيات والكنائس وتقتل أطفالكم، تخيلوا أيضاً أن تقوم هذه الدولة بوصف صحافييكم كإرهابيين وخطر وتهديد، ماذا ستفعلون؟ هذا واقع أليم وهذا ما يحصل في غزة الآن”.
وأضاف: “لن ننسى زملاءنا الذين قتلوا بالمئات، ولن نسمح بأن تُنسى قصصهم. نحن في الغرب والشرق سنرفع صوتهم وصورهم ونحتفل بحياتهم للأبد. المزيد من الصحافيين الفلسطينيين سيتكلمون، والمزيد من الصحافيين الغربيين سينضمون لنا لرواية القصة الفلسطينية”.
وحضر النائب المستقل جيرمي كوربين الوقفة، وقال خلال حديث مع “العربي الجديد”: “ما يعاني منه الشعب الفلسطيني أمر فظيع، خصوصاً الطريقة التي تُعامل بها غزة بشكل خاص خلال العام والنصف الماضيين ولكن في الواقع هو أطول بكثير من ذلك”.
وأضاف: “لقد وفرت لي حياتي فرصة زيارة غزة في مناسبات عديدة وكانت دائماً تحت الحصار. لقد كانت دائماً كذلك. إنها ليست تحت الحصار فقط هي تحت الاحتلال. لكن أهل غزّة يعيشون، يصنعون الموسيقى ويكتبون الشعر ويكتبون الكتب ويدرسون ويعملون ويفعلون كل الأشياء التي يفعلها أي شخص آخر في جميع أنحاء العالم. لذلك نحن هنا، لنقول لأهل غزة: لستم وحدكم. نحن معكم”.
وانتقد كوربين الإعلام الغربي: “إذا كانت القنوات الإخبارية لا تستطيع أن تقدم أي قيم إخبارية إنسانية في تعليقاتها فعليها ألا تدلي بأي تعليقات، فقط اعرضوا فيلماً عما يحدث في غزة واتركوا للجمهور أن يتخذ قراره الخاص”.
وبحسب بيان المنظمين الذي حصل عليه “العربي الجديد”، طالب الصحافيون حكومة بريطانيا باتخاذ إجراءات لضمان حصول الصحافيين الفلسطينيين الناجين في غزة، إلى جانب بقية السكان، على وصول آمن وفوري إلى الغذاء والماء والمعدات اللازمة؛ وضمان تمكين الصحافيين غير الفلسطينيين من دخول غزة لتغطية الأحداث إلى جانب زملائهم الفلسطينيين، وتمكينهم من التغطية بحرية واستقلالية، وعدم إلزامهم بالوجود في أماكن أخرى أو الإشراف عليهم.
كذلك، دعوا الحكومة إلى دعم تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية في الاستهداف الصارخ للصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام من قبل القوات الإسرائيلية؛ وضمان إقرار اتفاقية ملزمة للأمم المتحدة بشأن سلامة واستقلال الصحافيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام.
في 10 آب/آب 2025، قتلت غارة إسرائيلية استهدفت خيمة للصحافيين بالقرب من مستشفى الشفاء ستة مراسلين ومصورين، خمسة منهم من قناة الجزيرة، هم: أنس الشريف، محمد قريقع، إبراهيم ظاهر، ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، مع تبنّ رسمي إسرائيلي للعملية.
وقبل يومين، استهدف الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في غزة الأمر الذي أدّى إلى استشهاد 15 فلسطينياً، كان منهم خمسة صحافيين وهم مصور “الجزيرة” محمد سلامة، بالإضافة إلى الصحافي معاذ أبو طه الذي عمل مع شبكة إن بي سي الأميركية، وحسام المصري من “رويترز”، ومريم أبو دقة المتعاونة مع وكالة أسوشييتد برس، وأحمد أبو عزيز الذي عمل مع شبكة قدس فيد.
وأقدّمت الصحافية فاليري زينك العاملة مع وكالة رويترز على تمزيق بطاقتها الصحافية مع وكالة الأنباء العريقة، والإعلان عن توقفها عن العمل مع المؤسسة التي اتهمتها بـ”تبرير وتمكين الاغتيال المنهجي لـ245 صحافياً في غزة”، مؤكدةً أنّها تدين لزملائها في فلسطين بهذا الموقف.