تسليم رمزي لسلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان

ينتظر أن تبدأ في لبنان، اليوم الخميس وعلى مدى يومين، المرحلة الثانية من عملية تسليم السلاح من داخل المخيمات الفلسطينية تنفيذاً لمقرّرات القمة اللبنانية – الفلسطينية (خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت في أيار/أيار الماضي)، في وقتٍ لا يزال فيه الانقسام الفلسطيني بشأن الخطوة قائماً، وسط تمسّك بعض الفصائل برفض تسليم أسلحتها، رابطة إيّاها بالقضية الفلسطينية وحق العودة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

وتسلّم الجيش اللبناني، يوم الخميس الماضي (21 آب/آب)، أسلحة ثقيلة ومتوسطة من حركة فتح في مخيم برج البراجنة في بيروت، بعملية جاءت لتدشن مسار تسليم السلاح، بعدما تعثر بدؤها في موعدها الأول في منتصف حزيران/حزيران الماضي.

وأثارت المشاهد التي رافقت تسليم السلاح في المرحلة الأولى الكثير من الانتقادات في اتجاهين متناقضين، الأول ركز على حجم الأسلحة الصغيرة التي جُمِعت ووضّبت داخل أكياس في شاحنة صغيرة، فيما رأى البعض الآخر أن وجود أسلحة ثقيلة داخل مخيم في قلب بيروت يطرح الكثير من التساؤلات حول أسباب تجميعه في المخيم وكيفية دخوله.

رامز دمشقية: المرحلة المقبلة ستُستكمل في مخيمات برج البراجنة ومار الياس والبص

عدا عن الانقسامات التي طاولت الخطوة في المواقف، سواء على صعيد مسؤولي حركة فتح أنفسهم أو باقي الفصائل الفلسطينية، وتحديداً بين من وضع عملية تسليم السلاح في إطار مقرّرات القمة اللبنانية – الفلسطينية، ومن حصرها بالشأن التنظيمي الداخلي المرتبط بحركة فتح فقط، ومصادرة أسلحة مرتبطة بالمسؤول الذي أقيل منها، شادي الفار، وأنها لا تمت بصلة إلى ملف السلاح في المخيمات.

خطوة على الطريق

يقول رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، رامز دمشقية، إن عملية التسليم انطلقت الخميس الماضي تنفيذاً لمقررات القمة اللبنانية الفلسطينية التي عقدت بتاريخ 21 أيار/أيار 2025، بين الرئيسين جوزاف عون ومحمود عباس، وتنفيذاً لمقررات الاجتماع المشترك للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بتاريخ 23 أيار الماضي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام وبمشاركة ممثلين عن السلطات اللبنانية والفلسطينية، بحيث جرى الاتفاق على وضع آلية تنفيذية وجدول زمني واضح لمعالجة ملف السلاح الفلسطيني.

ويشير دمشقية، في اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن المرحلة المقبلة ستُستكمل هذا الأسبوع في مخيم برج البراجنة، إضافة إلى مخيّمي مار الياس في بيروت والبص في مدينة صور جنوبي لبنان، والمفترض أن تنفذ اليوم الخميس وغداً الجمعة، وستشمل الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.

ويلفت دمشقية إلى أن “عملية تسليم السلاح داخل المخيمات بدأت وستستمرّ وستليها مراحل مقبلة”، متوقفاً عند الانتقادات بالقول: “صحيح أن حجم العملية التي حصلت الخميس الماضي صغير، لكنها كبيرة بدلالاتها ومعانيها، وهي خطوة على طريق تنفيذ خطاب قسم الرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري، وطبعاً اتفاق الطائف”.

وحول الانقسامات الفلسطينية وتأكيد بعض الفصائل أنها لن تسلّم سلاحها، يشدّد دمشقية على أن “التركيز الآن هو مع حركة فتح ومنظمة التحرير، والمشاورات ستحصل طبعاً مع باقي المجموعات الفلسطينية، ولا يمكن الحديث عن النتيجة من الآن”.

وإذ يرى دمشقية أن عملية تسليم السلاح ستتم بسلاسة، يعتقد في معرض ردّه على سؤال أن المخيم الذي قد يكون الأصعب هو عين الحلوة، مشيراً إلى أنه “بعد كل المتغيرات والتطورات التي حصلت في المنطقة والزلازل التي ضربتها، لا أعتقد أن السلاح يخدم القضية الفلسطينية بشكل مناسب، لكنه قادر على زعزعة خطة أمنية لبنانية طموحة يحلم بها اللبنانيون منذ عقود، وهي حصر السلاح بيد الدولة”.
على صعيدٍ متصل، يقول مصدر في الجيش اللبناني لـ”العربي الجديد”، إن “عملية تسليم السلاح بدأت، وهناك خطة وضعها الجيش ماض في تنفيذها، سواء على صعيد الأسلحة ونوعيتها وكذلك تراتبية المخيمات، مع الأخذ بعين الاعتبار الترتيبات الخاصة المرتبطة بكل مخيم، وهناك تنسيق لبناني فلسطيني رسمي أيضاً بذلك، ونأمل أن يكون الجميع متجاوباً”.

من جهته، يقول المستشار القانوني والسياسي في لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، علي مراد، لـ”العربي الجديد”، إن “ما جرى في مخيم برج البراجنة هو تطبيق وترجمة وتنفيذ لمقررات القمة اللبنانية الفلسطينية، وتنفيذاً لمقررات الاجتماع المشترك للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ومنها التشديد على إنهاء المظاهر المسلحة في المخيمات الفلسطينية والالتزام بسيادة لبنان، والذي كان مفترضاً أن يبدأ في حزيران الماضي لكن تأخر ربطاً بترتيبات متعلقة بالجانب الفلسطيني”.

سلاح المخيمات الفلسطينية… ملف معقد

ويشدد مراد على أن “المسار بدأ، والدفعة الأولى من تسليم السلاح في المخيمات انطلقت، وسنرى الخميس (اليوم) وفي الأيام المقبلة استمراراً لهذه العملية، التي بدأت لتستمرّ على صعيد كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وذلك ترجمة أيضاً لاتفاق الطائف الذي تأخر تطبيقه وخطاب القسم الرئاسة والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام وقرارات مجلس الوزراء الأخيرة المرتبطة بحصرية السلاح بيد الدولة ومآذارة سيادتها بشكل كامل على جميع أراضيها”.

جابر سليمان: ما يحصل استثمار سياسي بلحظة راهنة، والطرفان الفلسطيني واللبناني، لديهما مصلحة بإظهار أن العملية تسير على ما يرام

ولا يخفي مراد أن الملف مركّب ومعقد، بالنظر إلى كون المشكلة متراكمة منذ عقود طويلة، ولكن القرار اتخذ، وهناك جوانب أمنية يتابعها الجيش اللبناني مع الجهات الفلسطينية، بحيث إن الأولوية هي لحماية أمن المخيمات الفلسطينية واللبنانيين أيضاً، والعملية يجب أن تدار بدقة وبعيداً من التجاذبات الإعلامية.

ويضيف مراد أنه “ربما هناك جهات فلسطينية ولبنانية غير راضية عن المشهد وحاولت التخفيف من قيمته لكن المسار بدأ وسنراه تباعاً، وتتبقّى أمور مرتبطة بكيفية إدارة الملف مع المنظمات التي هي ربما خارج إطار منظمة التحرير، وسنتابعها”.

ويوضح مراد أن “هناك خطاً موازياً، بعيداً من منطق المبادلة، فالسيادة اللبنانية غير مشروطة وحقوق الشعب الفلسطيني مسألة تعمل عليها لجنة الحوار منذ نشأتها، على صعيد كيفية تحسين الوضع الإنساني والحقوق الاقتصادية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهذه مسألة تلتزم بها اللجنة وكذلك بيان القمة والبيان الوزاري”، مشدداً على أن “الدولة سوف تتحمّل مسؤولياتها وتدير الموضوع بشكل هادئ على المستوى السياسي كما الأمني والعسكري وسنرى النتائج خلال الأيام المقبلة”.

وتعليقاً على ذلك، يرى الباحث الفلسطيني والمستشار في مجال دراسات اللجوء واللاجئين، جابر سليمان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “ما يحصل اليوم فيه استثمار سياسي بلحظة سياسية راهنة، ويبدو أن الطرفين الرسميين، سواء الفلسطيني أو اللبناني، لديهما مصلحة بإظهار أن العملية تسير على ما يرام”، معتبراً أن “هناك مسؤوليات أخرى اليوم متصلة بالمخيمات لا تقتصر فقط على تلك الأمنية، وخصوصاً المرتبطة بالحقوق، ولا أعتقد أن الدولة مهيأة حالياً للقيام بهذا الدور”.

ويشير سليمان إلى أنه “بالعودة إلى الوراء، نرى أن المسألة ليست جديدة أبداً، ففي عام 1991، استؤنف للمرة الأولى الاتصال بين منظمة التحرير والدولة اللبنانية وذلك بعد إغلاق مكتب المنظمة في بيروت عام 1982، والتقي حينها وزير الخارجية اللبناني فارس بويز مع فاروق القدومي، الذي كان يرأس الدائرة السياسية في المنظمة، وتمّ الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية لإجراء الحوار، وذلك برئاسة وزير الدفاع محسن دلول، وكان على جدول أعمالها ثلاث نقاط، الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان، الوضع الأمني داخل المخيمات الفلسطينية والحقوق المدنية للفلسطينيين بما يوحي بمقايضة بين الحقوق والسلاح، لكن لم تخرج اللجنة بنتائج، وذلك في أيار من 1991”.

ويضيف سليمان: “في أيلول/أيلول 1991، شكّلت لجنة وزارية ثانية برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية عبدالله الأمين ووزير الزراعة شوقي فاخوري، ووفد فلسطيني موحّد، قدّم مذكرة بعنوان الحقوق المدنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، ولكن كان الهدف مقايضة الحقوق بالسلاح ولم تسفر عن نتائج”، مشيراً إلى أنه “في إبريل/نيسان 1999، في عهد الرئيس اللبناني إميل لحود، قام رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الدكتور أسعد عبد الرحمن بزيارة للبنان التقى خلالها وزير الاتصالات حينها عصام نعمان وقدّم مذكرة نحو علاقات لبنانية فلسطينية جديدة، ولاحقاً شكلت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني LPDC في عام 2005 بعد خروج القوات السورية واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وعلى جدول أعمالها تنظيم السلاح وضبطه داخل المخيمات وفتح آلية حوار لتسليمه خارج المخيمات، وقد جرى تسليمه في خارج المخيمات في منطقة الدامور وعلى الحدود السورية اللبنانية”.

ربطاً بذلك، يرى سليمان أن مسألة تسليم السلاح داخل المخيمات الفلسطينية معقدة جداً، في ظلّ تعدّد المجموعات والمنظمات والفصائل، معتبراً أن مخيم عين الحلوة هو الأكثر تعقيداً، بالنظر إلى تاريخه، ورمزيته، عدا عن أن معظم الفصائل ممثلة فيه وهناك وجود إسلامي تاريخي ومنظمات متطرفة، وربطاً بالاشتباكات التي تحصل بين فترة وأخرى، إلى جانب كونه يظهر وكأنه يُمثل كل المخيمات في لبنان، وهو أكبرها ويضم أكثر من 70 ألف فلسطيني.

كذلك، يعتبر جابر أن الرئيس الفلسطيني ارتكب خطأ كبيراً في أيار الماضي لدى زيارته بيروت، وتمثل بعدم فتحه حواراً داخلياً فلسطينياً حول السلاح ولم يتصل بالفصائل الأخرى حتى لتسهيل العملية، معرباً عن اعتقاده بأنه كان هناك نوع من التوظيف السياسي لموضوع السلاح، سواء من الجهة الفلسطينية الرسمية لإظهار النية بتأهيل السلطة وقدرتها على ضبط السلاح، أو اللبناني، تنفيذاً للمذكرة الأميركية، وإظهار نيّات القيام بخطوة إلى الأمام في ملف السلاح، ولا سيما في ظل التعقيدات المرتبطة بسلاح حزب الله. ويؤكد من وجهة نظره أن ما حصل الأسبوع الماضي أخذ شكلاً مسرحياً إلى حدّ ما، خصوصاً في ظل التصريحات الفلسطينية واللبنانية المتناقضة.