“قرن من ملابس السباحة”… قصة الإنسان مع الماء

منذ أن أمسى البحر وجهة صيفية للطبقات الوسطى في بدايات القرن العشرين، ارتبطت ملابس السباحة والمصايف بذكريات الحرية والانطلاق، لكنها في الوقت نفسه شكّلت ساحة للتعبير عن التحولات الاجتماعية والثقافية، بل والسياسية أحياناً. هذا ما يحاول معرض “سبلاش!.. قرن من السباحة والأناقة” (Splash! A Century of Swimming and Style) أن يستعيده في متحف التصميم بلندن، إذ يفتح للزوار نافذة على قرن من العلاقة المعقّدة بين الماء والموضة والجسد والخيال الشعبي.
المعرض الذي اختُتم خلال الشهر الحالي، ضم أكثر من 200 قطعة ما بين ملابس سباحة تاريخية وأغراض شخصية ونماذج معمارية وصور فوتوغرافية وأفلام وثائقية. وهو مقسَّم إلى ثلاثة محاور رئيسية تمثل فضاءات السباحة التقليدية: المسبح الداخلي، وأحواض السباحة المفتوحة، ثم الطبيعة بما تحمله من أنهار وبحيرات وسواحل. هذا التقسيم لا يكتفي بتقديم التحولات الجمالية للملابس والفضاءات، بل يكشف عن أبعاد اجتماعية وثقافية قلّما تحضر في معارض من هذا النوع.
واحدة من أبرز مفاجآت المعرض هي العودة إلى عشرينيات القرن الماضي، حين بدأت ملابس السباحة تتحرر من قيود الاستحمام الفيكتوري الطويل والثقيل، لتفسح المجال لأزياء أكثر عملية تلائم حركة الجسد في الماء. في ذلك الوقت، ارتبط ظهور المصايف بتوسّع الطبقة الوسطى الأوروبية، وأصبح الشاطئ مكاناً لاختبار الحدود بين الحشمة والجرأة، وبين التقاليد والحداثة. لكن المعرض لا يكتفي بالجانب الطريف، فهو يضيء أيضاً على وجوه أكثر قتامة في تاريخ السباحة. من ذلك مثلاً حرمان الأميركيين السود من ارتياد أحواض السباحة في زمن الفصل العنصري. حتى مجلات اللياقة التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي يفرد المعرض لها مساحة خاصة.
لا يغيب الجانب المرِح عن هذه التجربة، فهناك بدلة السباحة الحمراء الشهيرة التي ارتدتها باميلا أندرسون في مسلسل Baywatch، والتي تحولت إلى أيقونة بصرية للثقافة التلفزيونية في التسعينيات، إلى جانب سلسلة من شورتات سبيدو التي تكشف تطور الذائقة الذكورية من الستينيات وحتى اليوم.
في هذه التظاهرة، يتوقف الزائر أمام أول نماذج البكيني الذي ظهر عام 1946 وسُمّي تيمناً بجزيرة بكيني التي شهدت تجارب نووية، في مفارقة تكشف عن التداخل الغريب بين السياسة والموضة.
في المحور المعماري، يقدّم المعرض نموذجاً مصغّراً لمركز الألعاب المائية في لندن من تصميم المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، إلى جانب صور وأرشيفات عن أحواض السباحة المفتوحة التي انتشرت في أوروبا منتصف القرن الماضي. ومن اللافت كيف أن إعادة إحياء بعض هذه المسابح، لم يكن ممكناً إلا بجهود جماعية من الأهالي، ما يعكس قيمة تلك الفضاءات بوصفها مكوّناً للذاكرة المحلية أكثر من كونها مجرد بنى تحتية للرياضة.

لا ينسى المعرض أن يربط الحاضر بالماضي، فهو يقدّم أزياء سباحة تراعي احتياجات أصحاب الإعاقات الجسدية أو من خضعن لعمليات استئصال الثدي، وأخرى صممتها فنانة أسترالية من السكان الأصليين تستلهم نقوشها من البيئة والطبيعة. هذه الإشارات تؤكد أن ملابس السباحة لم تعد مجرد موضة موسمية، بل جزء من نقاش أوسع حول الجسد وحقه في أن يكون حراً ومصوناً في آن.
إلى جانب القطع المادية، عُرض على الشاشات أفلام قصيرة، من بينها عمل يوثّق تجربة النساء الغواصات في جزيرة جيجو الكورية الجنوبية اللواتي يغطسن بحثاً عن المحار والأعشاب البحرية. هذا الفيلم يقدّم لحظة شاعرية وعميقة، فيصبح الغوص نوعاً من التحرر النفسي بقدر ما هو نشاط اقتصادي مرهق.
يخرج الزائر من هذا المعرض بانطباع مزدوج، فمن جهة هناك تلك النوستالجيا لزمن المصايف الأولى وصور العائلات حول برك السباحة، ومن جهة أخرى وعي جديد بأن ملابس البحر كانت على الدوام مرآة لتحولات أوسع، من تحرر المرأة إلى صناعة النجوم، ومن صعود ثقافة الجسد إلى النقاشات البيئية المعاصرة. ربما لهذا بدا المعرض أقرب إلى كونه تاريخاً بصرياً للسباحة، يسرد قصة الإنسان مع الماء، إذ يتقاطع الجسد مع الموضة، والذاكرة مع السياسة، واللعب مع الجدية.

يذكّرنا “سبلاش!” بأن علاقة الإنسان بالماء لم تكن يوماً محايدة، وأن ملابس السباحة، على خفتها ومرحها الظاهر، تخبّئ في ثناياها تاريخاً من الصراعات والرموز. فالمعرض لا يتوقف عند حدود الصيف أو المصيف، بل يفتح باباً على أسئلة أوسع عن علاقتنا بالجسد والهوية والحرية.