رسوم ترامب تضغط على اقتصاد الهند: تراجع الأسهم والصادرات واستقرار العملة

تواجه نيودلهي ضغوطاً اقتصادية متزايدة تطاول العملة والأسواق والقطاعات الإنتاجية، مع دخول الرسوم الجمركية الأميركية العقابية على الصادرات الهندية حيّز التنفيذ وارتفاعها إلى 50%. ففي حين حافظت الروبية على استقرارها النسبي وتذبذبت السندات بانتظار تدخل البنك المركزي، تكبّدت الأسهم خسائر جماعية وسط مخاوف من تباطؤ النمو وخروج الاستثمارات الأجنبية.

وعلى خط موازٍ، تسعى الحكومة إلى التخفيف من وقع الأزمة عبر تمديد إعفاء واردات القطن حتى نهاية العام لدعم صناعة النسيج التي تُعد من بين الأكثر تضرراً من القيود الأميركية. هذه التطورات تضع الاقتصاد الهندي أمام اختبار صعب بين حماية قطاعاته الحيوية والحفاظ على موقعه في سلاسل القيمة العالمية.

استقرار الروبية وتذبذب السندات

استقرت الروبية الهندية في تعاملات سوق الصرف اليوم الخميس، بعد يوم واحد من دخول الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 50% على المنتجات الهندية المصدرة للولايات المتحدة حيز التطبيق. وفي الوقت نفسه، تذبذبت أسعار السندات الهندية مع ترقب المتعاملين لأي تدخل من البنك المركزي الهندي في ظل ارتفاع العائد على السندات أخيراً، بحسب “أسوشييتد برس”.

وأشارت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء إلى تداول الدولار في السوق الهندية اليوم بسعر 87.76 روبية، دون تغيير كبير عن سعره أمس، في حين تراجع العائد على سندات الخزانة الهندية لأجل عشر سنوات بمقدار نقطة أساس واحدة إلى 6.59%، بعد أن كان قد ارتفع ثلاث نقاط أساس في وقت سابق من تعاملات اليوم. وخلال جلسات التداول الأربع الأخيرة، ارتفع العائد على هذه السندات بمقدار عشر نقاط أساس.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد قرر فرض رسوم بنسبة 25% على المنتجات الهندية في البداية، ثم وقع لاحقاً أمراً تنفيذياً بفرض رسوم عقابية إضافية بنسبة 25% على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي، لترتفع الرسوم الأميركية على الحليف الهندي إلى 50%.

وترى الحكومة الهندية أن هذه الرسوم ستؤثر على صادرات بقيمة 48.2 مليار دولار، محذرة من أن التصدير إلى الولايات المتحدة قد يصبح غير مجدٍ تجارياً، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان وظائف وإبطاء وتيرة نمو الاقتصاد. وتشير تقديرات “مبادرة أبحاث التجارة العالمية”، وهو مركز أبحاث مقره نيودلهي، إلى أن القطاعات كثيفة العمالة، مثل المنسوجات، الأحجار الكريمة والمجوهرات، السلع الجلدية، الأغذية والسيارات ستكون الأكثر تضرراً.

وقال أجاي سريفاستافا، مؤسس المركز والمسؤول التجاري الهندي السابق: “يمثل نظام الرسوم الجمركية الجديد صدمة استراتيجية تهدد بمحو الوجود الهندي الراسخ في الولايات المتحدة، ما يسبب البطالة في المراكز المعتمدة على التصدير ويضعف دورها في سلسلة القيمة الصناعية”، وفق ما نقلته “أسوشييتد برس”.

وفي تقرير صدر في وقت سابق من الأسبوع، ذكرت وكالة “فيتش ريتنجز” للتصنيف الائتماني أن التأثير المباشر لارتفاع الرسوم الأميركية على الناتج المحلي الإجمالي للهند سيكون متواضعاً، إذ تمثل الصادرات إلى الولايات المتحدة 2% فقط من الناتج المحلي. لكنها حذرت من أن حالة عدم اليقين بشأن الرسوم ستضعف ثقة الشركات والاستثمار، مشيرة في المقابل إلى أن الإصلاحات المقترحة لضريبة السلع والخدمات، إذا ما اعتمدت، ستعزز الاستهلاك وتساعد على تعويض بعض مخاطر النمو.

إعفاء القطن لدعم صناعة النسيج

وفي السياق ذاته، مددت الهند إعفاء واردات القطن من الرسوم الجمركية لمدة ثلاثة أشهر حتى نهاية كانون الأول/كانون الأول، وفق ما أظهره أمر حكومي اليوم الخميس، في خطوة تهدف إلى دعم صناعة الملابس المحلية التي تضررت بفعل الرسوم الأميركية الباهظة. وكانت الهند، ثاني أكبر منتج للقطن في العالم، قد أعلنت في وقت سابق عن إعفاء الواردات من رسوم بنسبة 11% حتى نهاية أيلول/أيلول، قبل أن تمدد هذا الإعفاء حتى 31 كانون الأول/كانون الأول، بحسب “رويترز”.

وتُعد الولايات المتحدة أكبر سوق للملابس والمجوهرات الهندية، بقيمة تقارب 22 مليار دولار في 2024، فيما تبلغ حصة الهند 5.8% من السوق الأميركية، خلف الصين، فيتنام وبنغلادش. ويسمح هذا الإعفاء لشركات النسيج باستيراد قطن أرخص، ما يخفف الضغط وسط تباطؤ الطلب الأميركي. وقال أتول غناترا، رئيس رابطة القطن الهندية، لـ”رويترز”: “مع التمديد للإعفاء من الرسوم، قد تصل الواردات إلى مستوى قياسي يبلغ 4.2 ملايين بالة هذا العام. ومن المرجح أن تستمر الواردات القوية حتى الربع الأول من العام المقبل أيضاً”، علماً أن السنة التسويقية للقطن في الهند تمتد من تشرين الأول/تشرين الأول إلى أيلول/أيلول.

تراجع الأسهم وضغوط على الأسواق

على صعيد متصل، تراجعت الأسهم الهندية، اليوم الخميس، بعد يوم من دخول رسوم عقابية أميركية إضافية بنسبة 25% على الواردات حيّز التنفيذ. وحذر محللون من ضغوط على الأسواق في الأمد القريب. فقد خسر مؤشر “نيفتـي 50” (.NSEI) نسبة 0.63% ليصل إلى 24.557.1 نقطة، فيما تراجع مؤشر “بي إس إي سينسكس” (.BSESN) بنسبة 0.65% ليصل إلى 80.253.93 نقطة بحلول الساعة 9:50 صباحاً بالتوقيت المحلي، بحسب “رويترز”.

وسجلت جميع القطاعات الـ16 الرئيسية خسائر، فيما تراجعت الأسهم ذات رؤوس الأموال الصغيرة (.NIFSMCP100) والمتوسطة (.NIFMDCP100) بنحو 0.9% لكل منهما. وانخفض سهم “إتش دي إف سي بنك” (HDBK.NS) بنسبة 1.5%، بينما تراجعت أسهم “آي سي آي سي آي بنك” (ICBK.NS) و”ريلاينس إندستريز” (RELI.NS) بنحو 0.9% لكل منهما. وكان مؤشرا “نيفتـي” و”سينسكس” قد تراجعا بنحو 1% يوم الثلاثاء، في أكبر انخفاض يومي منذ ثلاثة أشهر، قبل دخول الرسوم الأميركية حيز التنفيذ، فيما أُغلقت الأسواق المحلية يوم الأربعاء بسبب عطلة.

وبحسب المحللين، تواجه الأسواق رياحاً معاكسة قوية بعد فرض الولايات المتحدة الرسوم الإضافية البالغة 25% على السلع الهندية بسبب شراء نيودلهي النفط الروسي، لترتفع الرسوم الإجمالية إلى 50%. وقال عمرو عبد الخالق، استراتيجي الأسواق الناشئة في “إم آر بي بارتنرز”: “إن المخاطر الناجمة عن الخلاف في العلاقات الأميركية–الهندية والتقييمات المبالغ فيها تعني أن آفاق الأسهم الهندية لم تعد متفوقة على معظم نظرائها في الأسواق الناشئة”.

وسجلت الأسواق خروجاً لرؤوس الأموال الأجنبية بقيمة 2.66 مليار دولار حتى الآن في آب/آب، وهو أعلى معدل منذ شباط/شباط، وسط مخاوف الرسوم وضعف الأرباح. وقال فيكرام كاسات، رئيس الاستشارات في “بي إل كابيتال”: “الرهانات تتجاوز الرسوم الجمركية. القضية تتعلق باندماج الهند في سلاسل القيمة العالمية”. وأضاف: “في غياب اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، تخاطر الهند ليس فقط بخسارة الصادرات بل بانخفاض الاستثمارات وتباطؤ خلق الوظائف”.

أما على صعيد الأسهم الفردية، فقد انخفض سهم “إنتِرغلوبي أفييشن” (INGL.NS)، المشغلة لشركة الطيران الاقتصادي “إنديغو”، بنسبة 4.3% على خلفية تقارير عن بيع أحد المؤسسين حصة بسعر مخفض. في المقابل، ارتفع سهم “هيرو موتوكورب” (HROM.NS) بنسبة 1.5% بعدما رفعت “جيفريز” توصيتها للسهم من “أداء أقل من السوق” إلى “احتفاظ”، متوقعة زيادة في أرباح قطاع السيارات نتيجة التخفيضات المقترحة على معدلات ضريبة السلع والخدمات (GST).

(أسوشييتد برس، رويترز)